استهلت هذه السنة وسلطان الإسلام بالديار المصرية والبلاد الشامية والمملكة الحلبية وما والاها والحرمين الشريفين الملك الصالح صلاح الدين صالح بن الملك الناصر محمد بن الملك المنصور قلاوون الصالحي، ونائبة بالديار المصرية الأمير سيف الدين قبلاى، والمشار إليهم في تدبير المملكة الأمراء سيف الدين شيخون، وسيف الدين طار، وسيف الدين صرغتمش الناصري، وقضاة القضاة وكاتب السر هناك هم المذكورون في السنة الماضية، ونائب حلب الأمير سيف الدين أرغون الكاملي، لأجل مقاتلة أولئك الأمراء الثلاثة يلبغا وأمير أحمد وبكلمش الذين فعلوا ما ذكرنا في رجب من السنة الماضية، ثم لجئوا إلى بلاد البلبيسين في خفارة زلغادر التركماني، ثم إنه احتال عليهم من خوفه من صاحب مصر وأسلمهم إلى قبضة نائب حلب المذكور، ففرح المسلمون بذلك فرحا شديدا، ولله الحمد والمنة، ونائب طرابلس الأمير سيف الدين أيتمش الّذي كان نائب دمشق كما ذكرنا، تقلبت به الأحوال حتى استنيب في طرابلس حين كان السلطان بدمشق كما تقدم.
واستهلت هذه السنة وقد تواترت الأخبار بأن الأمراء الثلاثة يلبغا وبكلمش وأمير أحمد قد حصلوا في قبضة نائب حلب الأمير سيف الدين أرغون، وهم مسجونون بالقلعة بها، ينتظر ما يرسم به فيهم، وقد فرح المسلمون بذلك فرحا شديدا. وفي يوم السبت سابع عشر المحرم وصل إلى دمشق الأمير عز الدين مغلطاى الدويدار عائدا من البلاد الحلبية، وفي صحبته رأس يلبغا الباغي أمكن الله منه بعد وصول صاحبيه بكلمش الّذي كان نائبا بطرابلس، وأمير أحمد الّذي كان نائب حماة فقطعت رءوسهما بحلب بين يدي نائبها سيف الدين أرغون الكاملي، وسيرت إلى مصر، ولما وصل يلبغا بعدهما فعل به كفعلهما جهرة بعد العصر بسوق الخيل بين يدي نائب السلطنة والجيش برمته والعامة على الأجاجير يتفرجون ويفرحون بمصرعه، وسر المسلمون كلهم ولله الحمد والمنة.
وفي يوم الجمعة الثامن والعشرين من شهر ربيع الأول أقيمت جمعة جديدة بمحلة الشاغور بمسجد هناك يقال له مسجد المزار، وخطب فيه جمال الدين عبد الله بن الشيخ شمس الدين بن قيم الجوزية، ثم وقع في ذلك كلام فأفضى الحال أن أهل المحلة ذهبوا إلى سوق الخيل يوم موكبه، وحملوا سناجق خليفتين من جامعهم ومصاحف واشتملوا إلى نائب السلطنة وسألوا منه أن تستمر الخطبة عندهم، فأجابهم إلى ذلك في الساعة الراهنة، ثم وقع نزاع في جواز ذلك، ثم حكم القاضي الحنبلي لهم بالاستمرار، وجرت خطوب طويلة بعد ذلك.
وفي يوم الأحد سابع ربيع الآخر توفى الأمير الكبير سيف الدين ألجى بغا العادلى، ودفن بتربته التي كان أنشأها قديما ظاهر باب الجابية، وهي مشهورة تعرف به، وكان له في الامرة قريبا