الخمار بها فإذا خل فقال له الخمار: ويحك هذا خل، فقال النصراني أنا أعرف من أين أتيت، ثم ربط الدابة في خان ورجع إلى الصالحية فسأل عن الشيخ فعرفه فجاء إليه فأسلم على يديه، وله أحوال وكرامات كثيرة جدا، وكان لا يقوم لأحد دخل عليه ويقول: إنما يقوم الناس لرب العالمين، وكان الأمجد إذا دخل عليه جلس بين يديه فيقول له: يا أمجد فعلت كذا وكذا ويأمره بما يأمره، وينهاه عما ينهاه عنه، وهو يمتثل جميع ما يقوله له، وما ذاك إلا لصدقه في زهده وورعه وطريقه، وكان يقبل الفتوح، وكان لا يدخر منه شيئا لغد، وإذا اشتد جوعه أخذ من ورق اللوز ففركه واستفه ويشرب فوقه الماء البارد رحمه الله تعالى وأكرم مثواه، وذكروا أنه كان يحج في بعض السنين في الهواء، وقد وقع هذا لطائفة كبيرة من الزهاد وصالحي العباد، ولم يبلغنا هذا عن أحد من أكابر العلماء، وأول من يذكر عنه هذا حبيب العجمي، وكان من أصحاب الحسن البصري، ثم من بعده من الصالحين ﵏ أجمعين. فلما كان يوم جمعة من عشر ذي الحجة من هذه السنة صلى الصبح عبد الله اليونينى وصلاة الجمعة بجامع بعلبكّ، وكان قد دخل الحمام يومئذ قبل الصلاة وهو صحيح، فلما انصرف من الصلاة قال للشيخ داود المؤذن، وكان يغسل الموتى، انظر كيف تكون غدا، ثم صعد الشيخ إلى زاويته فبات يذكر الله تعالى تلك الليلة ويتذكر أصحابه، ومن أحسن إليه ولو بأدنى شيء ويدعو لهم، فلما دخل وقت الصبح صلى بأصحابه ثم استند يذكر الله وفي يده سبحة، فمات وهو كذلك جالس لم يسقط، ولم تسقط السبحة من يده، فلما انتهى الخبر إلى الملك الأمجد صاحب بعلبكّ فجاء إليه فعاينه كذلك فقال لو بنينا عليه بنيانا هكذا يشاهد الناس منه آية، فقيل له: ليس هذا من السنة، فنحى وكفن وصلى عليه ودفن تحت اللوزة التي كان يجلس تحتها يذكر الله تعالى، ﵀ ونور ضريحه. وكانت وفاته يوم السبت وقد جاوز ثمانين عاما أكرمه الله تعالى، وكان الشيخ محمد الفقيه اليونينى من جملة تلاميذه، وممن يلوذ به وهو جد هؤلاء المشايخ بمدينة بعلبكّ.
[أبو عبد الله الحسين بن محمد بن أبى بكر]
المجلي الموصلي، ويعرف بابن الجهنيّ، شاب فاضل ولى كتابة الإنشاء لبدر الدين لؤلؤ زعيم الموصل، ومن شعره:
نفسي فداء الّذي فكرت فيه وقد … غدوت أغرق في بحر من العجب
يبدو بليل على صبح على قمر … على قضيب على وهم على كثب
[ثم دخلت سنة ثمان عشرة وستمائة]
فيها استولت التتر على كثير من البلدان بكلادة وهمذان وأردبيل وتبريز وكنجة، وقتلوا أهاليها ونهبوا ما فيها، واستأسروا ذراريها، واقتربوا من بغداد فانزعج الخليفة لذلك وحصن