فانتهوا في ساعة واحدة إلى بلدة بينها وبين بغداد مسيرة سنة، وأن ذلك الرجل قال له إني سأموت في الوقت الفلاني، فأشهدني في ذلك الوقت في البلد الفلاني. قال: فلما كان ذلك الوقت حضرت عنده وهو في السياق، وقد استدار إلى جهة الشرق فحولته إلى القبلة فاستدار إلى الشرق فحولته أيضا ففتح عينيه وقال: لا تتعب فانى لا أموت إلا على هذه الجهة، وجعل يتكلم بكلام الرهبان حتى مات فحملناه فجئنا به إلى دير هناك فوجدناهم في حزن عظيم، فقلنا لهم: ما شأنكم؟ فقالوا كان عندنا شيخ كبير ابن مائة سنة، فلما كان اليوم مات على الإسلام، فقلنا لهم: خذوا هذا بدله وسلمونا صاحبنا، قال فوليناه فغسلناه وكفناه وصلينا عليه ودفناه مع المسلمين، وولواهم ذلك الرجل فدفنوه في مقبرة النصارى، نسأل الله حسن الخاتمة. مات الشيخ على في رجب من هذه السنة.
[ثم دخلت سنة إحدى وسبعين وستمائة]
في خامس المحرم وصل الظاهر دمشق من بلاد السواحل التي فتحها وقد مهدها، وركب في أواخر المحرم إلى القاهرة فأقام بها سنة ثم عاد فدخل دمشق في رابع صفر، وفي المحرم منها وصل صاحب النوبة إلى عيذاب فنهب تجارها وقتل خلقا من أهلها، منهم الوالي والقاضي، فسار إليه الأمير علاء الدين آيدغدي الخزندار فقتل خلقا من بلاده ونهب وحرق وهدم ودوخ البلاد، وأخذ بالثأر ولله الحمد والمنة.
وفي ربيع الأول توفى الأمير سيف الدين محمد بن مظفر الدين عثمان بن ناصر الدين منكورس صاحب صهيون، ودفن في تربة والده في عشر السبعين، وكان له في ملك صهيون وبرزيه إحدى عشرة سنة، وتسلمها بعده ولده سابق الدين، وأرسل إلى الملك الظاهر يستأذنه في الحضور فأذن له، فلما حضر أقطعه خيزا وبعث إلى البلدين نوابا من جهته.
وفي خامس جمادى الآخرة وصل السلطان بعسكره إلى الفرات لانه بلغه أن طائفة من التتار هنالك فخاض إليهم الفرات بنفسه وجنده، وقتل من أولئك مقتلة كبيرة وخلقا كثيرا، وكان أول من اقتحم الفرات يومئذ الأمير سيف الدين قلاوون وبدر الدين بيسرى وتبعهما السلطان، ثم فعل بالتتار ما فعل، ثم ساق إلى ناحية البيرة وقد كانت محاصرة بطائفة من التتار أخرى، فلما سمعوا بقدومه هربوا وتركوا أموالهم وأثقالهم، ودخل السلطان إلى البيرة في أبهة عظيمة وفرق في أهلها أموالا كثيرة، ثم عاد إلى دمشق في ثالث جمادى الآخرة ومعه الأسرى. وخرج منها في سابعه إلى الديار المصرية، وخرج ولده الملك السعيد لتلقيه ودخلا إلى القاهرة، وكان يوما مشهودا. ومما قاله القاضي شهاب الدين محمود الكاتب، وأولاده يقال لهم بنو الشهاب محمود، في خوض السلطان الفرات بالجيش:
سر حيث شئت لك المهيمن جار … واحكم فطوع مرادك الأقدار