للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من جهة المأمون فحاصر بغداد. وطمع جندها في العطاء إذا قدم فطاوعوه على السمع والطاعة للمأمون.

وقد قاتل عيسى بن محمد بن أبى خالد في جماعة من جهة إبراهيم بن المهدي، ثم احتال عيسى حتى صار في أيدي المأمونية أسيرا، ثم آل الحال إلى اختفاء إبراهيم بن المهدي في آخر هذه السنة.

وكانت أيامه سنة وأحد عشر شهرا واثنى عشر يوما. وقدم المأمون في هذا الوقت إلى همذان وجيوشه قد استنقذوا بغداد إلى طاعته. وحج بالناس في هذه السنة سليمان بن عبد الله بن سليمان ابن على.

[وفيها توفى من الأعيان]

[على بن موسى]

ابن جعفر بن محمد بن على بن الحسين بن على بن أبى طالب، القرشي الهاشمي العلويّ الملقب بالرضى، كان المأمون قد هم أن ينزل له عن الخلافة فأبى عليه ذلك، فجعله ولى العهد من بعده كما قدمنا ذلك. توفى في صفر من هذه السنة بطوس.

وقد روى الحديث عن أبيه وغيره، وعنه جماعة منهم المأمون وأبو السلط الهروي وأبو عثمان المازني النحويّ، وقال سمعته يقول: الله أعدل من أن يكلف العباد ما لا يطيقون، وهم أعجز من أن يفعلوا ما يريدون. ومن شعره:

كلنا يأمل مدا في الأجل … والمنايا هن آفات الأمل

لا تغرنك أباطيل المنى … والزم القصد ودع عنك العلل

إنما الدنيا كظل زائل … حل فيه راكب ثم ارتحل

[ثم دخلت سنة أربع ومائتين]

فيها كان قدوم المأمون أرض العراق، وذلك أنه مر بجرجان فأقام بها شهرا، ثم سار منها وكان ينزل في المنزل يوما أو يومين، ثم جاء إلى النهروان فأقام بها ثمانية أيام، وقد كتب إلى طاهر بن الحسين وهو بالرقة أن يوافيه إلى النهروان فوافاه بها وتلقاه رءوس أهل بيته والقواد وجمهور الجيش، فلما كان يوم السبت الآخر دخل بغداد حين ارتفع النهار لأربع عشرة ليلة خلت من صفر، في أبهة عظيمة وجيش عظيم، وعليه وعلى جميع أصحابه وفتيانه الخضرة، فلبس أهل بغداد وجميع بنى هاشم الخضرة، ونزل المأمون بالرصافة ثم تحول إلى قصر على دجلة، وجعل الأمراء ووجوه الدولة يترددون إلى منزله على العادة، وقد تحول لباس البغاددة إلى الخضرة، وجعلوا يحرقون كل ما يجدونه من السواد، فمكثوا كذلك ثمانية أيام. ثم استعرض حوائج طاهر بن الحسين فكان أول حاجة سألها أن يرجع إلى لباس السواد، فإنه لباس آبائه من دولة ورثة الأنبياء. فلما كان السبت الآخر وهو الثامن والعشرين من صفر جلس المأمون للناس وعليه الخضرة، ثم إنه أمر بخلعة سوداء فألبسها طاهرا، ثم ألبس بعده جماعة من الأمراء السواد، فلبس الناس السواد وعادوا إلى

<<  <  ج: ص:  >  >>