فتمنع ثم قدم عليه فخرج إلى أبى السرايا فهزم أبا السرايا غير مرة وطرده حتى رده إلى الكوفة.
ووثب الطالبيون على دور بنى العباس بالكوفة فنهبوها وخربوا ضياعهم، وفعلوا أفعالا قبيحة، وبعث أبو السرايا إلى المدائن فاستجابوا، وبعث إلى أهل مكة حسين بن حسن الأفطس ليقيم لهم الموسم فخاف أن يدخلها جهرة، ولما سمع نائب مكة - وهو داود بن عيسى بن موسى بن على بن عبد الله بن عباس - هرب من مكة طالبا أرض العراق، وبقي الناس بلا إمام فسئل مؤذنها أحمد ابن محمد بن الوليد الأزرقي أن يصلى بهم فأبى، فقيل لقاضيها محمد بن عبد الرحمن المخزومي فامتنع، وقال: لمن أدعو وقد هرب نواب البلاد. فقدم الناس رجلا منهم فصلى بهم الظهر والعصر، وبلغ الخبر إلى حسين الأفطس فدخل مكة في عشرة أنفس قبل الغروب فطاف بالبيت، ثم وقف بعرفة ليلا وصلى بالناس الفجر بمزدلفة وأقام بقية المناسك في أيام منى، فدفع الناس من عرفة بغير إمام. وفيها توفى إسحاق بن سليمان. وابن نمير. وابن سابور. وعمر والعنبري، والد مطيع البلخي.
ويونس بن بكير.
[ثم دخلت سنة مائتين من الهجرة]
في أول يوم منها جلس حسين بن حسن الأفطس على طنفسة مثلثة خلف المقام وأمر بتجريد الكعبة مما عليها من كساوى بنى العباس، وقال: نطهرها من كساويهم. وكساها ملاءتين صفراوتين عليهما اسم أبى السرايا، ثم أخذ ما في كنز الكعبة من الأموال، وتتبع ودائع بنى العباس فأخذها، حتى أنه أخذ مال ذوى المال ويزعم أنه للمسودة. وهرب منه الناس إلى الجبال، وسبك ما على رءوس الأساطين من الذهب، وكان ينزل مقدار يسير بعد جهد، وقلعوا ما في المسجد الحرام من الشبابيك وباعوها بالبخس، وأساءوا السيرة جدا. فلما بلغه مقتل أبى السرايا كتم ذلك وأمّر رجلا من الطالبيين شيخا كبيرا، واستمر على سوء السيرة، ثم هرب في سادس عشر المحرم منها، وذلك لما قهر هرثمة أبا السرايا وهزم جيشه وأخرجه ومن معه من الطالبيين من الكوفة، ودخلها هرثمة ومنصور بن المهدي فأمنوا أهلها ولم يتعرضوا لأحد. وسار أبو السرايا بمن معه إلى القادسية، ثم سار منها فاعترضهم بعض جيوش المأمون فهزمهم أيضا وجرح أبو السرايا جراحة منكرة جدا، وهربوا يريدون الجزيرة إلى منزل أبى السرايا برأس العين، فاعترضهم بعض الجيوش أيضا فأسروهم وأتوا بهم الحسن بن سهل وهو بالنهروان حين طردته الحربية، فأمر بضرب عنق أبى السرايا فجزع من ذلك جزعا شديدا جدا وطيف برأسه وأمر بجسده أن يقطع اثنتين وينصب على جسرى بغداد، فكان بين خروجه وقتله عشرة أشهر. فبعث الحسن بن سهل بن محمد إلى المأمون مع رأس أبى السرايا. وقال بعض الشعراء:
ألم تر ضربة الحسن بن سهل … بسيفك يا أمير المؤمنينا