وفيها توفى حسنويه بن حسين الْكُرْدِيُّ، وَكَانَ قَدِ اسْتَحْوَذَ عَلَى نَوَاحِي بِلَادِ الدينور وهمدان وَنَهَاوَنْدَ مُدَّةَ خَمْسِينَ سَنَةً، وَكَانَ حَسَنَ السِّيرَةِ كَثِيرَ الصَّدَقَةِ بِالْحَرَمَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، فَلَمَّا تُوُفِّيَ اخْتَلَفَ أولاده من بعده وتمرق شملهم، وتمكن عضد الدولة من أكثر بلادهم، وقويت شوكته في تلك الأرض.
وفيها ركب عضد الدولة في جنود كَثِيفَةٍ إِلَى بِلَادِ أَخِيهِ فَخْرِ الدَّوْلَةِ، وَذَلِكَ لما بلغه من ممالأته لعز الدولة واتفاقهم عليه، فتسلم بلاد أخيه فخر الدولة وهمدان وَالرَّيَّ وَمَا بَيْنَهُمَا مِنَ الْبِلَادِ، وَسَلَّمَ ذَلِكَ إلى مؤيد الدولة- وهو أخوه الآخر- لِيَكُونَ نَائِبَهُ عَلَيْهَا، ثُمَّ سَارَ إِلَى بِلَادِ حسنويه الكردي فتسلمها وأخذ حواصله وذخائره، وكانت كثيرة جدا، وحبس بعض أولاده وأسر بَعْضَهُمْ، وَأَرْسَلَ إِلَى الْأَكْرَادِ الْهَكَّارِيَّةِ فَأَخَذَ مِنْهُمْ بعض بلادهم، وعظم شأنه وارتفع صيته، إلا أنه أصابه في هذا السفر داء الصداع، وكان قد تقدم له بالموصل مثله، وكان يكتمه إلى أن غلب عليه كَثْرَةُ النِّسْيَانِ فَلَا يَذْكُرُ الشَّيْءَ إِلَّا بَعْدَ جَهْدٍ جَهِيدٍ، وَالدُّنْيَا لَا تَسُرُّ بِقَدْرِ مَا تَضُرُّ:
دَارٌ إِذَا مَا أَضْحَكَتْ فِي يَوْمِهَا ... أبكت غدا، بعدا لها من دار
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الرُّوذَبَارِيُّ- ابْنُ أُخْتِ أَبِي عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ- أَسْنَدَ الْحَدِيثَ، وَكَانَ يَتَكَلَّمُ عَلَى مَذْهَبِ الصُّوفِيَّةِ، وكان قد انتقل من بغداد فأقام بصور وتوفى بها في هذه السنة. قال: رأيت في المنام كأن قائلا يقول: أي شيء أصح في الصلاة؟ فقلت صحة القصد، فسمعت قائلا يقول. رؤية المقصود بإسقاط رؤية القصد أتم. وقال: مجالسة الاضداد ذوبان الروح، ومجالسة الأشكال تلقيح العقول، وليس كل من يصلح للمجالسة يصلح للمؤانسة، ولا كل من يصلح للمؤانسة يؤمن على الأسرار، ولا يؤمن على الأسرار الا الأمناء فقط. وقال: الخشوع في الصلاة علامة الفلاح. قال تعالى (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ في صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ) ٢٣: ١- ٢ وترك الخشوع في الصلاة علامة النفاق وخراب القلب. قال تعالى (إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ) ٢٣: ١١٧.