للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: اكْتَرَى إِيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ مِنَ الشام قاصدا الحج، فركب معه في المحارة غَيْلَانُ الْقَدَرِيُّ، وَلَا يَعْرِفُ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ، فَمَكَثَا ثلاثا لا يكلم أحدهما الآخر، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ثَلَاثٍ تَحَادَثَا فَتَعَارَفَا وَتَعَجَّبَ كل واحد منهما من اجتماعه مع صاحبه، لِمُبَايَنَةِ مَا بَيْنَهُمَا فِي الِاعْتِقَادِ فِي الْقَدَرِ، فَقَالَ لَهُ إِيَاسٌ: هَؤُلَاءِ أَهْلُ الْجَنَّةِ يَقُولُونَ حِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدانَا الله ٧: ٤٣ وَيَقُولُ أَهْلُ النَّارِ رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا ٢٣: ١٠٦ وَتَقُولُ الْمَلَائِكَةُ سُبْحانَكَ لَا عِلْمَ لَنا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنا ٢: ٣٢ ثُمَّ ذَكَرَ لَهُ مِنْ أَشْعَارِ الْعَرَبِ وَأَمْثَالِ الْعَجَمِ مَا فِيهِ إِثْبَاتُ الْقَدَرِ ثُمَّ اجْتَمَعَ مَرَّةً أُخْرَى إِيَاسٌ وَغَيْلَانُ عِنْدَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَنَاظَرَ بَيْنَهُمَا فَقَهَرَهُ إِيَاسٌ، وَمَا زَالَ يَحْصُرُهُ فِي الْكَلَامِ حَتَّى اعْتَرَفَ غَيْلَانُ بِالْعَجْزِ وَأَظْهَرَ التَّوْبَةَ، فَدَعَا عَلَيْهِ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِنْ كَانَ كَاذِبًا، فَاسْتَجَابَ اللَّهُ مِنْهُ فَأُمْكِنَ مِنْ غَيْلَانَ فَقُتِلَ وَصُلِبَ بَعْدَ ذلك وللَّه الحمد والمنة.

ومن كلام إياس الْحَسَنِ: لَأَنْ يَكُونَ فِي فِعَالِ الرَّجُلِ فَضْلٌ عن مقاله خير من أن يكون في مقاله فَضْلٌ عَنْ فِعَالِهِ. وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ: ذَكَرْتُ رَجُلًا بِسُوءٍ عِنْدَ إِيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ فَنَظَرَ فِي وَجْهِي وَقَالَ:

أَغَزَوْتَ الرُّومَ؟ قُلْتُ: لا! قال: السند وَالْهِنْدَ وَالتُّرْكَ؟ قُلْتُ: لَا. قَالَ: أَفَسَلِمَ مِنْكَ الرُّومُ وَالسِّنْدُ وَالْهِنْدُ وَالتُّرْكُ وَلَمْ يَسْلَمْ مِنْكَ أَخُوكَ الْمُسْلِمُ؟ قَالَ: فَلَمْ أَعُدْ بَعْدَهَا. وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ عَنْ أَبِيهِ: رَأَيْتُ إِيَاسَ بْنَ مُعَاوِيَةَ فِي بَيْتِ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، وَإِذَا هُوَ أَحْمَرُ طويل الذراع غليظ الثياب، يلون عِمَامَتَهُ، وَهُوَ قَدْ غَلَبَ عَلَى الْكَلَامِ فَلَا يتكلم معه أحد إلا علاه، وَقَدْ قَالَ لَهُ بَعْضُهُمْ: لَيْسَ فِيكَ عَيْبٌ سِوَى كَثْرَةِ كَلَامِكَ، فَقَالَ: بِحَقٍّ أَتَكَلَّمُ أَمْ بِبَاطِلٍ؟ فَقِيلَ بَلْ بِحَقٍّ، فَقَالَ: كُلَّمَا كَثُرَ الْحَقُّ فَهُوَ خَيْرٌ، وَلَامَهُ بَعْضُهُمْ فِي لِبَاسِهِ الثِّيَابَ الْغَلِيظَةَ فَقَالَ: إِنَّمَا أَلْبَسُ ثَوْبًا يَخْدِمُنِي وَلَا أَلْبَسُ ثَوْبًا أَخْدِمُهُ، وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ قَالَ إِيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ: إِنَّ أَشْرَفَ خِصَالِ الرَّجُلِ صَدَقُ اللِّسَانِ، وَمِنْ عَدِمَ فَضِيلَةَ الصِّدْقِ فَقَدْ فُجِعَ بِأَكْرَمِ أَخْلَاقِهِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: سَأَلَ رَجُلٌ إِيَاسًا عَنِ النَّبِيذِ فَقَالَ: هُوَ حَرَامٌ، فَقَالَ الرَّجُلُ:

فَأَخْبِرْنِي عَنِ الْمَاءِ فَقَالَ: حَلَالٌ، قَالَ: فالكسور، قَالَ: حَلَالٌ، قَالَ فَالتَّمْرُ قَالَ حَلَالٌ، قَالَ فما باله إذا اجتمع حرم؟ فَقَالَ إِيَاسٌ: أَرَأَيْتَ لَوْ رَمَيْتُكَ بِهَذِهِ الْحَفْنَةِ مِنَ التُّرَابِ أَتُوجِعُكَ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَهَذِهِ الحفنة من التبن؟ قال لا توجعني، قَالَ: فَهَذِهِ الْغَرْفَةُ مِنَ الْمَاءِ؟ قَالَ لَا توجعني شيئا، قَالَ: أَفَرَأَيْتَ إِنْ خَلَطْتُ هَذَا بِهَذَا وَهَذَا بهذا حتى صار طينا ثم تركته حتى اسْتَحْجَرَ ثُمَّ رَمَيْتُكَ أَيُوجِعُكَ؟ قَالَ: إِي وَاللَّهِ وتقتلني، قَالَ: فَكَذَلِكَ تِلْكَ الْأَشْيَاءُ إِذَا اجْتَمَعَتْ. وَقَالَ الْمَدَائِنِيُّ: بَعَثَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَدِيَّ ابن أرطاة على الْبَصْرَةِ نَائِبًا وَأَمَرَهُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ إِيَاسٍ وَالْقَاسِمِ بْنِ رَبِيعَةَ الْجَوْشَنِيِّ، فَأَيُّهُمَا كَانَ أَفْقَهَ فَلْيُوَلِّهِ الْقَضَاءَ، فَقَالَ إِيَاسٌ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ لَا يَتَوَلَّى: أَيُّهَا الرَّجُلُ سَلْ فَقِيهَيِ الْبَصْرَةِ، الْحَسَنَ وَابْنَ سِيرِينَ، وَكَانَ إِيَاسٌ لَا يَأْتِيهِمَا، فَعَرَفَ الْقَاسِمُ أَنَّهُ إِنْ سَأَلَهُمَا أَشَارَا بِهِ- يعنى بالقاسم- لأنه كان

<<  <  ج: ص:  >  >>