قد مات، فكان يجلس في حلقة في جامع دمشق، فتكلم رجل من بنى أمية فرد عليه إياس، فأغلظ له الأموي فقام إياس، فقيل للأموى: هذا إياس بن معاوية المزني، فلما عاد من الغد اعتذر له الأموي وقال: لم أعرفك، وقد جلست إلينا بثياب السوقة وكلمتنا بكلام الاشراف فلم تحتمل ذلك.
وقال يعقوب بن سفيان: حدثنا نعيم بن حماد ثنا ضمرة عن أبى شوذب قال: كان يقال يولد في كل مائة سنة رجل تام العقل، فكانوا يرون أن إياس بن معاوية منهم. وقال العجليّ: دخل على إياس ثلاث نسوة فلما رآهن قال: أما إحداهن فمرضع، والأخرى بكر، والأخرى ثيب، فقيل له بم علمت هذا؟ فقال: أما المرضع فكلما قعدت أمسكت ثديها بيدها، وأما البكر فكلما دخلت لم تلتفت إلى أحد، وأما الثيب فكلما دخلت نظرت ورمت بعينها. وقال يونس بن صعلب (١):
ثنا الأحنف بن حكيم بأصبهان ثنا حماد بن سلمة سمعت إياس بن معاوية يقول: أعرف الليلة التي ولدت فيها، وضعت أمى على رأسي جفنة. وقال المدائني قال إياس بن معاوية لأمه: ما شيء سمعتيه وأنت حامل بى وله جلبة شديدة؟ قالت: ذاك طست من نحاس سقط من فوق الدار إلى أسفل، ففزعت فوضعتك تلك الساعة. وقال أبو بكر الخرائطى عن عمر بن شيبة النميري قال: بلغني أن إياسا قال: ما يسرني أن أكذب كذبة يطلع عليها أبى معاوية. وقال: ما خاصمت أحدا من أهل الاهواء بعقلي كله إلا القدرية، قلت لهم أخبرونى عن الظلم ما هو؟ قالوا: أخذ الإنسان ما ليس له، قلت: فان الله له كل شيء. قال بعضهم عن إياس قال: كنت في الكتاب وأنا صبي فجعل أولاد النصارى يضحكون من المسلمين ويقولون: إنهم يزعمون أنه لا فضلة لطعام أهل الجنة، فقلت للفقيه - وكان نصرانيا -: ألست تزعم أن في الطعام ما ينصرف في غذاء البدن؟ قال: بلى، قلت فما ينكر أن يجعل الله طعام أهل الجنة كله غذاء لأبدانهم؟ فقال له معلمه: ما أنت إلا شيطان.
وهذا الّذي قاله إياس وهو صغير بعقله قد ورد به الحديث الصحيح كما سنذكره إن شاء الله في أهل الجنة أن طعامهم ينصرف جشاء وعرقا كالمسك، فإذا البطن ضامر. وقال سفيان: وحين قدم إياس واسط فجاءه ابن شبرمة بمسائل قد أعدها، فقال له: أتأذن لي أن أسألك؟ قال: سل وقد ارتبت حين استأذنت، فسأله عن سبعين مسألة يجيبه فيها، ولم يختلفا إلا في أربع مسائل، رده إياس إلى قوله، ثم قال له إياس: أتقرأ القرآن؟ قال: نعم! قال أتحفظ قوله ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾؟ قال: نعم! قال: وما قبلها وما بعدها؟ قال: نعم! قال: فهل أبقت هذه الآية لآل شبرمة رأيا؟ وقال عباس عن يحيى بن معين: حدثنا سعيد بن عامر بن عمر بن على قال قال رجل لا ياس ابن معاوية: يا أبا واثلة حتى متى يبقى الناس؟ وحتى متى يتوالد الناس ويموتون؟ فقال لجلسائه: أجيبوه فلم يكن عندهم جواب، فقال إياس: حتى تتكامل العدنان، عدة أهل الجنة، وعدة أهل النار.