أخطأ فيما أمتحنه به لم أدعه يتكلم في أمرك. ثم إنه انفرد عن القوم - وكان راكبا مهرا - حتى توارى عنهم خلف رابية فنزل عن فرسه ثم صفر له حتى أدلى، ثم أخذ حبة بر فأدخلها في إحليل المهر، وأوكى عليها بسير حتى أحكم ربطها، ثم صفر له حتى اجتمع إحليله، ثم أتى القوم فظنوا أنه ذهب ليقضى حاجة له، ثم أتى الكاهن فلما قدموا عليه أكرمهم ونحر لهم، فقال له عتبة: انا قد جئناك في أمر، ولكن لا أدعك تتكلم فيه حتى تبين لنا ما خبأت لك، فأنى قد خبأت لك خبيئا فانظر ما هو، فأخبرنا به. قال الكاهن: ثمرة في كمرة، قال: أريد أبين من هذا، قال: حبات بر في إحليل مهر، قال: صدقت فخذ لما جئناك له، انظر في أمر هؤلاء النسوة، فأجلس النساء خلفه وهند معهم لا يعرفها، ثم جعل يدنو من إحداهن فيضرب كتفها ويبريها، ويقول: انهضى، حتى دنا من هند فضرب كتفها وقال انهضى حصان رزان، غير رسخا ولا زانية، ولتلدنّ ملكا يقال له معاوية. فوثب إليها الفاكه فأخذ بيدها، فنترت يدها من يده وقالت له: إليك عنى، والله لا يجمع رأسي ورأسك وسادة، والله لأحرصن أن يكون هذا الملك من غيرك، فتزوجها أبو سفيان بن حرب فجاءت منه بمعاوية هذا. وفي رواية أن أباها هو الّذي قال للفاكه ذلك والله سبحانه أعلم.
[وهذه ترجمة معاوية ﵁ وذكر شيء من أيامه ودولته وما ورد في مناقبه وفضائله ﵀]
وهو معاوية بن أبى سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي، القرشي الأموي، أبو عبد الرحمن، خال المؤمنين، وكاتب وحي رسول رب العالمين. وأمه هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس، أسلم معاوية عام الفتح، وروى عنه أنه قال: أسلمت يوم القضية ولكن كتمت إسلامي من أبى، ثم علم بذلك فقال لي: هذا أخوك يزيد وهو خير منك على دين قومه، فقلت له: لم آل نفسي جهدا. قال معاوية: ولقد دخل على رسول الله ﷺ مكة في عمرة القضاء وإني لمصدق به، ثم لما دخل عام الفتح أظهرت إسلامي فجئته فرحب بى، وكتبت بين يديه. قال الواقدي: وشهد معه حنينا، وأعطاه مائة من الإبل، وأربعين أوقية من ذهب، وزنها بلال، وشهد اليمامة. وزعم بعضهم أنه هو الّذي قتل مسيلمة، حكاه ابن عساكر، وقد يكون له شرك في قتله، وإنما الّذي طعنه وحشي، وجلله أبو دجانة سماك بن خرشة بالسيف، وكان أبوه من سادات قريش، وتفرد بالسؤدد بعد يوم بدر، ثم لما أسلم حسن بعد ذلك إسلامه، وكان له مواقف شريفة، وآثار محمودة في يوم اليرموك وما قبله وما بعده، وصحب معاوية رسول الله ﷺ، وكتب الوحي بين يديه مع الكتاب، وروى عن رسول الله ﷺ أحاديث كثيرة في الصحيحين وغيرهما من السنن والمسانيد، وروى عنه جماعة من الصحابة والتابعين، قال أبو بكر بن أبى الدنيا: كان معاوية طويلا