للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان موت معاوية لاستهلال رجب من هذه السنة. قاله هشام بن الكلبي. وقيل للنصف منه، قاله الواقدي. وقيل يوم الخميس لثمان بقين منه، قاله المدائني. قال ابن جرير: وأجمعوا على أنه هلك في رجب منها، وكان مدة ملكه استقلالا من جمادى سنة إحدى وأربعين حين بايعه الحسن بن على بأدرج، فذلك تسع عشرة سنة وثلاثة أشهر، وكان نائبا في الشام عشرين سنة تقريبا، وقيل غير ذلك، وكان عمره ثلاثا وسبعين سنة، وقيل خمسا وسبعين سنة، وقيل ثمانيا وسبعين سنة، وقيل خمساً وثمانين سنة، وسيأتي بقية الكلام في آخر ترجمته. وقال أبو السكن زكريا بن يحيى: حدثني عم أبى زحر بن حصين عن جده حميد بن منهب. قال: كانت هند بنت عتبة عند الفاكه بن المغيرة المخزومي، وكان الفاكه من فتيان قريش، وكان له بيت للضيافة يغشاه الناس من غير إذن، فخلا ذلك البيت يوما فاضطجع الفاكه وهند فيه في وقت القائلة، ثم خرج الفاكه لبعض شأنه، وأقبل رجل ممن كان يغشاه فولج البيت فلما رأى المرأة فيه ولى هاربا، ورآه الفاكه وهو خارج من البيت، فأقبل إلى هند وهي مضطجعة فضربها برجله وقال: من هذا الّذي كان عندك؟ قالت: ما رأيت أحدا ولا انتبهت حتى أنبهتنى أنت، فقال لها: الحقي بأبيك، وتكلم فيها الناس، فقال لها أبوها: يا بنية إن الناس قد أكثروا فيك القالة، فأنبئينى نبأك، فان يكن الرجل عليك صادقا دسست إليه من يقتله فينقطع عنك القالة، وإن يك كاذبا حاكمته إلى بعض كهان اليمن، فعند ذلك حلفت هند لأبيها بما كانوا يحلفون في الجاهلية إنه لكاذب عليها، فقال عتبة بن ربيعة للفاكه: يا هذا إنك قد رميت ابنتي بأمر عظيم، [وعار كبير، لا يغسله الماء، وقد جعلتنا في العرب بمكان ذلة ومنقصة، ولولا أنك منى ذو قرابة لقتلتك، ولكن سأحاكمك إلى كاهن اليمن] (١) فحاكمنى إلى بعض كهان اليمن، فخرج الفاكه في بعض جماعة من بنى مخزوم - أقاربه - وخرج عتبة في جماعة من بنى عبد مناف، وخرجوا بهند ونسوة معها من أقاربهم، ثم ساروا قاصدين بلاد اليمن، فلما شارفوا بلاد الكاهن قالوا غدا نأتي الكاهن، فلما سمعت هند ذلك تنكرت حالها وتغير وجهها، وأخذت في البكاء، فقال لها أبوها: يا بنية قد أرى ما بك من تنكر الحال، وكثرة البكاء، وما ذاك أراه عندك إلا لمكروه أحدثتيه، وعمل اقترفتيه، فهلا كان هذا قبل أن يشيع في الناس ويشتهر مسيرنا؟ فقالت: والله يا أبتاه ما هذا الّذي تراه منى لمكروه وقع منى، وإني لبريئة، ولكن هذا الّذي تراه من الحزن وتغير الحال هو أنى أعلم أنكم تأتون هذا الكاهن وهو بشر يخطئ ويصيب، وأخاف أن يخطئ في أمرى بشيء يكون عاره على إلى آخر الدهر، ولا آمنه أن يسمني ميسما تكون على سبة في العرب. فقال لها أبوها: لا تخافي فانى سوف أختبره وأمتحنه قبل أن يتكلم في شأنك وأمرك، فان


(١) سقط من المصرية

<<  <  ج: ص:  >  >>