مريضا مدنفا، فلما جاءه الخبر ازداد مرضا إلى مرضه، وساءه قتل أبى عبد الله التومرتي، وجعل الأمر من بعده لعبد المؤمن بن على، ولقبه أمير المؤمنين. وقد كان شابا حسنا حازما عاقلا، ثم مات ابن تومرت وقد أتت عليه إحدى وخمسون سنة، ومدة ملكه عشر سنين، وحين صار إلى عبد المؤمن ابن على الملك أحسن إلى الرعايا، وظهرت له سيرة جيدة فأحبه الناس، واتسعت ممالكه، وكثرت جيوشه ورعيته، ونصب العداوة إلى تاشفين صاحب مراكش، ولم يزل الحرب بينهما إلى سنة خمس وثلاثين، فمات تاشفين فقام ولده من بعده، فمات في سنة تسع وثلاثين ليلة سبع وعشرين من رمضان، فتولى أخوه إسحاق بن على بن يوسف بن تاشفين، فسار إليه عبد المؤمن فملك تلك النواحي، وفتح مدينة مراكش، وقتل هنالك أمما لا يعلم عددهم إلا الله ﷿، قتل ملكها إسحاق وكان صغير السن في سنة ثنتين وأربعين، وكان إسحاق هذا آخر ملوك المرابطين، وكان ملكهم سبعين سنة. والذين ملكوا منهم أربعة: على وولده يوسف، وولداه أبو سفيان وإسحاق ابنا على المذكور، فاستوطن عبد المؤمن مدينة مراكش، واستقر ملكه بتلك الناحية، وظفر في سنة ثلاث وأربعين بدكالة وهي قبيلة عظيمة نحو مائتي ألف راجل وعشرين ألف فارس مقاتل، وهم من الشجعان الأبطال، فقتل منهم خلقا كثيرا، وجما غفيرا، وسبى ذراريهم وغنم أموالهم حتى إنه بيعت الجارية الحسناء بدراهم معدودة، وقد رأيت لبعضهم في سيرة ابن تومرت هذا مجلدا في أحكامه وإمامته، وما كان في أيامه، وكيف تملك بلاد المغرب، وما كان يتعاطاه من الأشياء التي توهم أنها أحوال برة، وهي محالات لا تصدر إلا عن فجرة، وما قتل من الناس وأزهق من الأنفس.
[وممن توفى فيها من الأعيان]
[أحمد بن عبد الوهاب بن السنى]
أبو البركات، أسند الحديث وكان يعلم أولاد الخليفة المستظهر، فلما صارت الخلافة إلى المسترشد ولاه المخزن، وكان كثير الأموال والصدقات، يتعاهد أهل العلم، وخلف مالا كثيرا حزر بمائتي ألف دينار، أوصى منه بثلاثين ألف دينار لمكة والمدينة، توفى فيها عن ست وخمسين سنة وثلاثة أشهر، وصلى عليه الوزير أبو على بن صدقة، ودفن بباب حرب.
[عبد الرحيم بن عبد الكبير]
ابن هوازن، أبو نصر القشيري، قرأ على أبيه وإمام الحرمين، وروى الحديث عن جماعة، وكان ذا ذكاء وفطنة، وله خاطر حاضر جريء، ولسان ماهر فصيح، وقد دخل بغداد فوعظ بها فوقع بسببه فتنة بين الحنابلة والشافعية، فحبس بسببها الشريف أبو جعفر بن أبى موسى، وأخرج ابن القشيري من بغداد لإطفاء الفتنة فعاد إلى بلده، توفى في هذه السنة.