عتبة بن أبى سفيان، فولاه المدينة، وذلك أن ابن الزبير لما بلغه مقتل الحسين شرع يخطب الناس ويعظم قتل الحسين وأصحابه جدا، ويعيب على أهل الكوفة وأهل العراق ما صنعوه من خذلانهم الحسين، ويترحم على الحسين ويلعن من قتله، ويقول: أما والله لقد قتلوه طويلا بالليل قيامه، كثيرا في النهار صيامه، أما والله ما كان يستبدل بالقرآن الغنا والملاهي، ولا بالبكاء من خشية الله اللغو والحداء، ولا بالصيام شرب المدام وأكل الحرام، ولا بالجلوس في حلق الذكر طلب الصيد، - يعرّض في ذلك بيزيد بن معاوية - فسوف يلقون غيا، ويؤلب الناس على بنى أمية ويحثهم على مخالفته وخلع يزيد. فبايعه خلق كثير في الباطن، وسألوه أن يظهرها فلم يمكنه ذلك مع وجود عمرو بن سعيد، وكان شديدا عليه ولكن فيه رفق، وقد كان كاتبه أهل المدينة وغيرهم، وقال الناس: أما إذ قتل الحسين فليس ينازع أحد ابن الزبير، فلما بلغ ذلك يزيد شق ذلك عليه وقيل له: إن عمرو بن سعيد لو شاء لبعث إليك برأس ابن الزبير، أو يحاصره حتى يخرجه من الحرم، فبعث فعزله وولى الوليد بن عتبة فيها، وقيل في مستهل ذي الحجة، فأقام للناس الحج فيها، وحلف يزيد ليأتينى ابن الزبير في سلسلة من فضة، وبعث بها مع البريد ومعه برنس من خز ليبر يمينه، فلما مر البريد على مروان وهو بالمدينة وأخبره بما هو قاصد له وما معه من الغل أنشأ مروان يقول: -
فخذها فما هي للعزيز بخطة … وفيها مقال لامرئ متذلل
أعامر إن القوم ساموك خطة … وذلك في الجيران غزل بمغزل
أراك إذا ما كنت في القوم ناصحا … يقال له بالدلو أدبر وأقبل
فلما انتهت الرسل إلى عبد الله بن الزبير بعث مروان ابنيه عبد الملك وعبد العزيز ليحضرا مراجعته في ذلك، وقال: أسمعاه قولي في ذلك، قال عبد العزيز: فلما جلس الرسل بين يديه جعلت أنشده ذلك وهو يسمع ولا أشعره، فالتفت إليّ فقال: أخبرا أباكما أنى أقول: -
إني لمن نبعة صم مكاسرها … إذا تناوحت القصباء والعشر
ولا ألين لغير الحق أسأله … حتى يلين لضرس الماضغ الحجر
قال عبد العزيز: فما أدرى أيما كان أعجب!! قال أبو معشر: لا خلاف بين أهل السير أن الوليد بن عتبة حج بالناس في هذه السنة وهو أمير الحرمين وعلى البصرة والكوفة عبيد الله بن زياد، وعلى خراسان وسجستان سلم بن زياد أخو عبيد الله ابن زياد، وعلى قضاء الكوفة شريح، وعلى قضاء البصرة هشام بن هبيرة.
[ذكر من توفى فيها من الأعيان]
الحسين بن على ﵄ ومعه بضعة عشر من أهل بيته قتلوا جميعا بكربلاء، وقيل بضعة