للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[موت فياض بن مهنا]

ورد الخبر بذلك يوم السبت الثامن عشر منه، فاستبشر بذلك كثير من الناس، وأرسل إلى السلطان مبشرين بذلك، لأنه كان قد خرج عن الطاعة وفارق الجماعة، فمات موتة جاهلية بأرض الشقاق والنفاق، وقد ذكرت عن هذا أشياء صدرت عنه من ظلم الناس، والإفطار في شهر رمضان بلا عذر وأمره أصحابه وذويه بذلك في هذا الشهر الماضي، ف ﴿إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ﴾، جاوز السبعين انتهى. والله أعلم.

[كائنة غريبة عجيبة جدا وهي هذه المعلم سنجر مملوك بن هلال]

في اليوم الرابع والعشرين من ربيع الآخر أطلق المعلم الهلالي بعد أن استوفوا منه تكميل ستمائة ألف درهم، فبات في منزله عند باب النطافيين سرورا بالخلاص، ولما أصبح ذهب إلى الحمام وقد ورد البريد من جهة السلطان من الديار المصرية بالاحتياط على أمواله وحواصله، فأقبلت الحجبة ونقباء النقبة والأعوان من كل مكان، فقصدوا داره فاحتاطوا بها وعليها بما فيها، ورسم عليه وعلى ولديه، وأخرجت نساؤه من المنزل في حالة صعبة، وفتشوا النساء وانتزعوا عنهن الحلي والجواهر والنفائس، واجتمعت العامة والغوغاء، وحضر بعض القضاة ومعه الشهود بضبط الأموال والحجج والرهون، وأحضروا المعلم ليستعلموا منه جلية ذلك، فوجدوا من حاصل الفضة أول يوم ثلاثمائة ألف وسبعين ألفا، ثم صناديق أخرى لم تفتح، وحواصل لم يصلوا اليها لضيق الوقت ثم أصبحوا يوم الأحد في مثل ذلك، وقد بات الحرس على الأبواب والاسطحة لئلا يعدى عليها في الليل وبات هو وأولاده بالقلعة المنصورة محتفظا عليهم، وقد رق له كثير من الناس لما أصابه من المصيبة العظيمة بعد التي قبلها سريعا.

وفي أواخر هذا الشهر توفى الأمير ناصر الدين محمد بن الدوادار السكرى، كان ذا مكانة عند أستاذه، ومنزلة عالية، ونال من السعادة في وظيفته أقصاها، ثم قلب الله قلب أستاذه عليه فضربه وصادره وعزله وسجنه، ونزل قدره عند الناس، وآل به الحال إلى أن كان يقف على أتباعه بفرسه ويشترى منهم ويحاككهم، ويحمل حاجته معه في سرجه، وصار مثلة بين الناس، بعد أن كان في غاية ما يكون فيه الدويدارية من العز والجاه والمال والرفعة في الدنيا، وحق على الله تعالى أن لا يرفع شيئا من أمر الدنيا الا وضعه.

وفي صبيحة يوم الأحد سابع عشره أفرج عن المعلم الهلالي وعن ولديه، وكانوا معتقلين بالقلعة المنصورة، وسلمت اليهم دورهم وحواصلهم، ولكن أخذ ما كان حاصلا في داره، وهو ثلاثمائة ألف وعشرون ألفا، وختم على حججه ليعقد لذلك مجلس ليرجع رأس ماله منها عملا بقوله تعالى ﴿وَإِنْ﴾

<<  <  ج: ص:  >  >>