تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ ونودي عليه في البلد إنما فعل به ذلك لأنه لا يؤدى الزكاة ويعامل بالربا، وحاجب السلطان ومتولى البلد، وبقية المتعممين والمشاعلية تنادى عليه في أسواق البلد وأرجائها.
وفي اليوم الثامن والعشرين منه ورد المرسوم السلطاني الشريف بإطلاق الدواوين إلى ديارهم وأهاليهم، ففرح الناس بسبب ذلك لخلاصهم مما كانوا فيه من العقوبة والمصادرة البليغة، ولكن لم يستمر بهم في مباشراتهم.
وفي أواخر الشهر تكلم الشيخ شهاب الدين المقدسي الواعظ، قدم من الديار المصرية تجاه محراب الصحابة، واجتمع الناس إليه وحضر من قضاة القضاة الشافعيّ والمالكي، فتكلم على تفسير آيات من القرآن، وأشار إلى أشياء من إشارات الصوفية بعبارات طلقة معربة حلوة صادعة للقلوب فأفاد وأجاد، وودع الناس بعوده إلى بلده، ولما دعا استنهض الناس للقيام، فقاموا في حال الدعاء، وقد اجتمعت به بالمجلس فرأيته حسن الهيئة والكلام والتأدب، فالله يصلحه وإيانا آمين.
وفي مستهل جمادى الآخرة ركب الأمير سيف الدين بيدمر نائب حلب لقصد غزو بلاد سيس في جيش، لقاه الله النصر والتأييد. وفي مستهل هذا الشهر أصبح أهل القلعة وقد نزل جماعة من أمراء الأعراب من أعالى مجلسهم في عمائم وحبال إلى الخندق وخاضوه وخرجوا من عند جسر الزلابية فانطلق اثنان وأمسك الثالث الّذي تبقى في السجن، وكأنه كان يمسك لهم الحبال حتى تدلوا فيها، فاشتد نكير نائب السلطنة على نائب القلعة، وضرب ابنيه النقيب وأخاه وسجنهما، وكاتب في هذه الكائنة إلى السلطان، فورد المرسوم بعزل نائب القلعة وإخراجه منها، وطلبه لمحاسبة ما قبض من الأموال السلطانية في مدة ست سنى مباشرته، وعزل ابنه عن النقابة وابنه الآخر عن استدرائه السلطان، فنزلوا من عزهم إلى عزلهم.
وفي يوم الاثنين سابع عشره جاء الأمير تاج الدين جبريل من عند الأمير سيف الدين بيدمر نائب حلب، وقد فتح بلدين من بلاد سيس، وهما طرسوس وأذنة، وأرسل مفاتيحهما صحبة جبريل المذكور إلى السلطان أيده الله، ثم افتتح حصونا أخر كثيرة في أسرع مدة، وأيسر كلفة، وخطب القاضي ناصر الدين كاتب السر خطبة بليغة حسنة، وبلغني في كتاب أن أبواب كنيسة أذنة حملت إلى الديار المصرية في المراكب. قلت: وهذه هي أبواب الناصرية التي بالسفح، أخذها سيس عام قازان، وذلك في سنة تسع وتسعين وستمائة، فاستنفذت ولله الحمد في هذه السنة.
وفي أواخر هذا الشهر بلغنا أن الشيخ قطب الدين هرماس الّذي كان شيخ السلطان طرد عن جناب مخدومه، وضرب وصودر، وخربت داره إلى الأساس، ونفى إلى مصياف، فاجتاز بدمشق