يحسبنى القاضي، فلما وصلت باب البريد عند دار سيف خلعت الطيلسان وجعلته في كمي وتباطأت في المشي، فالتفت فلم ير وراءه أحدا، فقال لي: أين القاضي؟ فأشرت إلى ناحية النورية وقلت:
ذهب إلى داره، فلما أسرع إلى ناحية النورية هرولت إلى المدرسة الأمينية واسترحت منه. قال ابن الساعي كان مولده سنة ستين وخمسمائة، وخلف أموالا كثيرة ورثتها عصبته، قال: وكانت له معرفة حسنة بالأخبار والتواريخ وأيام الناس، مع دين وصلاح وورع، وأورد له ابن الساعي قطعا من شعره فمن ذلك قوله:
قيل لي من هويت قد عبث الشعر … في خديه. قلت ما ذاك عاره
حمرة الخد أحرقت عنبر الخال … فمن ذاك الدخان عذاره
وله
شوقي إليكم دون أشواقكم … لكن لا بد أن يشرح
لأننى عن قلبكم غائب … وأنتم في القلب لن تبرحوا
[أبو عبد الله محمد بن على]
ابن محمد بن الجارود الماراني، الفقيه الشافعيّ، أحد الفضلاء، ولى القضاء بإربل وكان ظريفا خليعا، وكان من محاسن الأيام، وله أشعار رائقة ومعان فائقة منها قوله:
مشيب أتى وشباب رحل … أحل العناية حيث حل
وذنبك جم، ألا فارجعى … وعودي فقد حان وقت الأجل
وديني الآله ولا تقصرى … ولا يخدعنك طول الأمل
[أبو الثناء محمود بن رالي]
ابن على بن يحيى الطائي الرقى نزيل إربل، وولى النظر بها للملك مظفر الدين، وكان شيخا أديبا فاضلا، ومن شعره قوله:
وأهيف ما الخطى إلا قوامه … وما الغصن إلا ما يثنيه لينه
وما الدعص إلا ما تحمل خصره … وما النبل الا ما تريش جفونه
وما الخمر إلا ما يروق ثغره … وما السحر إلا ما تكن عيونه
وما الحسن إلا كله فمن الّذي … إذا ما رآه لا يزيد جنونه
ابن معطي النحويّ يحيى
ترجمه أبو شامة في السنة الماضية، وهو أضبط لأنه شهد جنازته بمصر، وأما ابن الساعي فإنه ذكره في هذه السنة، وقال إنه كان حظيا عند الكامل محمد صاحب مصر، وإنه كان قد نظم أرجوزة في القراءات السبع، ونظم ألفاظ الجمهرة، وكان قد عزم على نظم صحاح الجوهري.