للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعظمت المحنة بهم جدا واستفحل أمرهم، حتى أن رجلا منهم أسود كان مستضعفا نجم فيهم وكثر ماله حتى اشترى جارية بألف دينار، فلما حصلت عنده حاولها عن نفسها فأبت عليه فقال لها:

ماذا تكرهين منى؟ قالت: أكرهك كلك. فقال: فما تحبين؟ فقالت تبيعني. فقال: أو خير من ذلك؟ فحملها إلى القاضي فأعتقها وأعطاها ألف دينار وأطلقها، فتعجب الناس من حلمه وكرمه مع فسقه وقوته. قال: وورد الخبر في المحرم بأنه خطب للمعز الفاطمي بمكة والمدينة في الموسم، ولم يخطب للطائع. قال: وفي رجب منها غلت الأسعار ببغداد حتى بيع الكر الدقيق الحواري بمائة ونيف وسبعين دينارا. قال: وفيها اضمحل أمر عضد الدولة بن بويه وتفرق جنده عنه ولم يبق معه سوى بغداد وحدها، فأرسل إلى أبيه يشكو له ذلك، فأرسل يلومه على الغدر بابن عمه بختيار، فلما بلغه ذلك خرج من بغداد إلى فارس بعد أن أخرج ابن عمه من السجن وخلع عليه وأعاده إلى ما كان عليه، وشرط عليه أن يكون نائبا له بالعراق يخطب له بها، وجعل معه أخاه أبا إسحاق أمير الجيوش لضعف بختيار عن تدبير الأمور، واستمر ذاهبا إلى بلاده، وذلك كله عن أمر أبيه له بذلك، وغضبه عليه بسبب غدره بابن عمه وتكرار مكاتباته فيه إليه. ولما سار ترك بعده وزير أبيه أبا الفتح بن العميد، ولما استقر عز الدولة بختيار ببغداد وملك العراق لم يف لابن عمه عضد الدولة بشيء مما قال، ولا ما كان التزم، بل تمادى على ضلاله القديم، واستمر على مشيه الّذي هو غير مستقيم، من الرفض وغيره.

قال: وفي يوم الخميس لعشر خلون من ذي القعدة تزوج الخليفة الطائع شاه باز بنت عز الدولة على صداق مائة ألف دينار، وفي سلخ ذي العقدة عزل القاضي أبو الحسن محمد بن صالح بن أم شيبان وقلده أبو محمد معروف. وإمام الحج فيها أصحاب الفاطمي، وخطب له بالحرمين دون الطائع والله سبحانه أعلم.

[ذكر أخذ دمشق من أيدي الفاطميين]

ذكر ابن الأثير في كامله أن الفتكين غلام معز الدولة الّذي كان قد خرج عن طاعته كما تقدم، والتف عليه عساكر وجيوش من الديلم والترك والأعراب، نزل في هذه السنة على دمشق، وكان عليها من جهة الفاطميين ريان الخادم، فلما نزل بظاهرها خرج إليه كبراء أهلها وشيوخها فذكروا له ما هم فيه من الظلم والغشم ومخالفة الاعتقاد بسبب الفاطميين، وسألوه أن يصمم على أخذها ليستنقذها منهم، فعند ذلك صمم على أخذها ولم يزل حتى أخذها وأخرج منها ريان الخادم وكسر أهل الشر بها، ورفع أهل الخير، ووضع في أهلها العدل وقمع أهل اللعب واللهو، وكف أيدي الأعراب الذين كانوا قد عاثوا في الأرض فسادا، وأخذوا عامة المرج والغوطة، ونهبوا أهلها. ولما استقامت الأمور على يديه وصلح أمر أهل الشام كتب إليه المعز الفاطمي يشكر سعيه ويطلبه إليه

<<  <  ج: ص:  >  >>