للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قدميه ويدخل عليه أن يمكنه فيدخل إلى أهله فيوصي إليهم ويودعهم، فقال: أما الدخول فلا سبيل إليه، ولكن أوص. فأوصى وأعتق جميع مماليكه أو جماعة منهم، وجاءت رسل الرشيد تستحثه فأخرج إخراجا عنيفا، فجعلوا يقودونه حتى أتوا به المنزل الّذي فيه الرشيد، فحبسه وقيده بقيد حمار، وأعلموا الرشيد بما كان يفعل، فأمر بضرب عنقه، فجاء السياف إِلَى جَعْفَرٍ فَقَالَ: إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ أَمَرَنِي أَنْ آتِيَهُ بِرَأْسِكَ. فَقَالَ: يَا أَبَا هَاشِمٍ لَعَلَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ سَكْرَانُ، فَإِذَا صَحَا عاتبك في، فعاوده. فرجع إلى الرشيد فقال: إنه يقول: لعلك مشغول. فقال: يَا مَاصَّ بَظْرِ أُمِّهِ ائْتِنِي بِرَأْسِهِ. فَكَرَّرَ عليه جعفر المقالة فقال الرشيد في الثالثة: برئت من المهدي إن لَمْ تَأْتِنِي بِرَأْسِهِ لَأَبْعَثَنَّ مَنْ يَأْتِينِي بِرَأْسِكَ ورأسه. فرجع إلى جعفر فحز رأسه وأتى بِهِ إِلَى الرَّشِيدِ فَأَلْقَاهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَأَرْسَلَ الرشيد من ليلته البرد بالاحتياط عَلَى الْبَرَامِكَةِ جَمِيعِهِمْ بِبَغْدَادَ وَغَيْرِهَا،، وَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ بِسَبِيلٍ.

فَأُخِذُوا كُلُّهُمْ عَنْ آخِرِهِمْ. فَلَمْ يُفْلِتْ مِنْهُمْ أَحَدٌ. وَحَبَسَ يَحْيَى بْنَ خَالِدٍ فِي مَنْزِلِهِ، وَحَبَسَ الْفَضْلَ بْنَ يَحْيَى فِي مَنْزِلٍ آخَرَ وَأَخَذَ جَمِيعَ مَا كَانُوا يَمْلِكُونَهُ من الدنيا، وبعث الرشيد برأس جعفر وجثته فنصب الرأس عند الجسر الأعلى، وشقت الجثة باثنتين فنصب نصفها الواحد عند الجسر الأسفل، والآخر عِنْدَ الْجِسْرِ الْآخَرِ، ثُمَّ أُحْرِقَتْ بَعْدَ ذَلِكَ. وَنُودِيَ فِي بَغْدَادَ: أَنْ لَا أَمَانَ لِلْبَرَامِكَةِ وَلَا لِمَنْ آوَاهُمْ، إِلَّا مُحَمَّدَ بْنَ يَحْيَى بن خالد فإنه مستثنى منهم لِنُصْحِهِ لِلْخَلِيفَةِ. وَأَتَى الرَّشِيدُ بِأَنَسِ بْنِ أَبِي شيخ كان يتهم بالزندقة، وكان مصاحبا لجعفر، فدار بينه وبين الرشيد كلام، ثم أخرج الرشيد من تحت فراشه سيفا وَأَمَرَ بِضَرْبِ عُنُقِهِ بِهِ [١] . وَجَعَلَ يَتَمَثَّلُ بِبَيْتٍ قيل في قتل أَنَسٍ قَبْلَ ذَلِكَ [٢] :

تَلَمَّظَ السَّيْفُ مِنْ شَوْقٍ إِلَى أَنَسٍ [٣] ... فَالسَّيْفُ يَلْحَظُ وَالْأَقْدَارُ تَنْتَظِرُ

فَضُرِبَتْ عُنُقُ أَنَسٍ فَسَبَقَ السَّيْفُ الدَّمَ فَقَالَ الرَّشِيدُ: رَحِمَ اللَّهُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُصْعَبٍ، فَقَالَ الناس: إن السيف كان للزبير بن العوام. ثم شحنت السجون بالبرامكة واستلبت أموالهم كلها، وزالت عنهم النعمة. وَقَدْ كَانَ الرَّشِيدُ فِي الْيَوْمِ الَّذِي قَتَلَ جعفرا في آخره، هو وإياه راكبين في الصيد في أوله، وَقَدْ خَلَا بِهِ دُونَ وُلَاةِ الْعُهُودِ، وَطَيَّبَهُ في ذلك بالغالية بيده، فلما كان وقت المغرب ودعه الرشيد وضمه إِلَيْهِ وَقَالَ: لَوْلَا أَنَّ اللَّيْلَةَ لَيْلَةُ خَلْوَتِي بِالنِّسَاءِ مَا فَارَقْتُكَ، فَاذْهَبْ إِلَى مَنْزِلِكَ وَاشْرَبْ واطرب وطب عيشا حتى تكون على مثل حالي، فأكون أنا وأنت في اللذة سواء. فقال: والله يا أمير


[١] تولى قتله- في رواية للطبري- إبراهيم بن عثمان بن نهيك.
[٢] نسبه ابن الأعثم لأبي كبير الهذلي، والبيت ليس في ديوان الهذليين.
[٣] في ابن الأعثم ٨/ ٢٧٧: إلى النفس.

<<  <  ج: ص:  >  >>