لِلْإِفْطَارِ فِي رَمَضَانَ وَدُورًا لِضِيَافَةِ الْحُجَّاجِ، ثُمَّ أَبْطَلَ ذَلِكَ، وَكَانَ قَدْ أَسْقَطَ مُكُوسًا ثُمَّ أَعَادَهَا وَجَعَلَ جُلَّ هَمِّهِ فِي رَمْيِ الْبُنْدُقِ وَالطُّيُورِ الْمَنَاسِيبِ وَسَرَاوِيلَاتِ الْفُتُوَّةِ. قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: وَإِنْ كَانَ مَا يَنْسُبُهُ الْعَجَمُ إِلَيْهِ صَحِيحًا مِنْ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَطْمَعَ التَّتَارَ فِي الْبِلَادِ وَرَاسَلَهُمْ فَهُوَ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى الَّتِي يَصْغُرُ عِنْدَهَا كُلُّ ذَنْبٍ عَظِيمٍ. قُلْتُ، وَقَدْ ذُكِرَ عَنْهُ أَشْيَاءُ غَرِيبَةٌ، مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ لِلرُّسُلِ الْوَافِدِينَ عَلَيْهِ فَعَلْتُمْ فِي مَكَانِ كذا كذا، وفعلتم في الْمَوْضِعِ الْفُلَانِيِّ كَذَا، حَتَّى ظَنَّ بَعْضُ النَّاسِ أَوْ أَكْثَرُهُمْ أَنَّهُ كَانَ يُكَاشَفُ أَوْ أَنَّ جِنِّيًّا يَأْتِيهِ بِذَلِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
خِلَافَةُ الظَّاهِرِ بْنِ النَّاصِرِ
لَمَّا تُوُفِّيَ الْخَلِيفَةُ النَّاصِرُ لِدِينِ اللَّهِ كَانَ قَدْ عَهِدَ إِلَى ابْنِهِ أَبِي نَصْرٍ مُحَمَّدٍ هَذَا وَلَقَّبَهُ بِالظَّاهِرِ، وَخَطَبَ لَهُ عَلَى الْمَنَابِرِ، ثُمَّ عَزَلَهُ عَنْ ذَلِكَ بِأَخِيهِ عَلَيٍّ، فَتُوُفِّيَ فِي حَيَاةِ أَبِيهِ سَنَةَ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ، فَاحْتَاجَ إِلَى إِعَادَةِ هَذَا لِوِلَايَةِ الْعَهْدِ فخطب له ثانيا، فحين توفى بويع بِالْخِلَافَةِ، وَعُمْرُهُ يَوْمَئِذٍ ثِنْتَانِ وَخَمْسُونَ سَنَةً، فَلَمْ يَلِ الْخِلَافَةَ مِنْ بَنِي الْعَبَّاسِ أَسَنَّ مِنْهُ، وَكَانَ عَاقِلًا وَقُورًا دَيِّنًا عَادِلًا مُحْسِنًا، رَدَّ مَظَالِمَ كَثِيرَةً وَأَسْقَطَ مُكُوسًا كَانَ قَدْ أَحْدَثَهَا أَبُوهُ، وَسَارَ فِي النَّاسِ سِيرَةً حَسَنَةً، حَتَّى قِيلَ: إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَعْدَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَعْدَلَ مِنْهُ لَوْ طَالَتْ مُدَّتُهُ، لكنه لم يحل إلى الْحَوْلُ، بَلْ كَانَتْ مُدَّتُهُ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ أَسْقَطَ الْخَرَاجَ الْمَاضِي عَنِ الْأَرَاضِي الَّتِي قَدْ تَعَطَّلَتْ، ووضع عن أهل بلدة واحدة وهي يعقوبا سَبْعِينَ أَلْفَ دِينَارٍ كَانَ أَبُوهُ قَدْ زَادَهَا عَلَيْهِمْ فِي الْخَرَاجِ، وَكَانَتْ صَنْجَةُ الْمَخْزَنِ تَزِيدُ عَلَى صَنْجَةِ الْبَلَدِ نِصْفَ دِينَارٍ فِي كُلِّ مِائَةٍ إِذَا قَبَضُوا وَإِذَا أَقْبَضُوا دَفَعُوا بِصَنْجَةِ الْبَلَدِ، فَكَتَبَ إِلَى الدِّيوَانِ وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ أَلا يَظُنُّ أُولئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ ٨٣: ١- ٦ فَكَتَبَ إِلَيْهِ بَعْضُ الْكُتَّابِ يَقُولُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ تَفَاوُتَ هَذَا عَنِ الْعَامِ الْمَاضِي خَمْسَةٌ وَثَلَاثُونَ أَلْفًا، فَأَرْسَلَ يُنْكِرُ عَلَيْهِ وَيَقُولُ: هَذَا يُتْرَكُ وَإِنْ كَانَ تَفَاوُتُهُ ثَلَاثَمِائَةِ أَلْفٍ وخمسين ألفا، رحمه الله. وأمر للقاضي أَنَّ كُلَّ مَنْ ثَبَتَ لَهُ حَقٌّ بِطَرِيقٍ شَرْعِيٍّ يُوَصَّلُ إِلَيْهِ بِلَا مُرَاجَعَةٍ، وَأَقَامَ فِي النظر على الأموال الجردة رَجُلًا صَالِحًا وَاسْتَخْلَصَ عَلَى الْقَضَاءِ الشَّيْخَ الْعَلَّامَةَ عِمَادَ الدِّينِ أَبَا صَالِحٍ نَصْرَ بْنَ عَبْدِ الرزاق بن الشيخ عبد القادر الجيلي في يوم الأربعاء ثامن ذي الحجة، فكان من خيار المسلمين ومن الْقُضَاةِ الْعَادِلِينَ، رَحِمَهُمُ اللَّهُ أَجْمَعِينَ. وَلَمَّا عُرِضَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ لَمْ يَقْبَلْهُ إِلَّا بِشَرْطِ أَنْ يُوَرِّثَ ذَوِي الْأَرْحَامِ، فَقَالَ: أَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ وَاتَّقِ اللَّهَ وَلَا تَتَّقِ سِوَاهُ، وَكَانَ مِنْ عَادَةِ أَبِيهِ أَنْ يَرْفَعَ إِلَيْهِ حُرَّاسُ الدُّرُوبِ فِي كُلِّ صَبَاحٍ بِمَا كَانَ عِنْدَهُمْ فِي الْمَحَالِّ مِنَ الِاجْتِمَاعَاتِ الصَّالِحَةِ وَالطَّالِحَةِ، فَلَمَّا وَلِيَ الظَّاهِرُ أَمَرَ بِتَبْطِيلِ ذَلِكَ كُلِّهِ وَقَالَ: أَيُّ فَائِدَةٍ فِي كَشْفِ أَحْوَالِ النَّاسِ وَهَتْكِ أَسْتَارِهِمْ؟ فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ تَرْكَ ذَلِكَ يُفْسِدُ الرَّعِيَّةَ، فَقَالَ نَحْنُ نَدْعُو اللَّهَ لَهُمْ أَنْ يُصْلِحَهُمْ، وَأَطْلَقَ مَنْ كَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://www.patreon.com/shamela4