ابن إبراهيم، وكانوا قد تمالئوا على أكل بيت المال، وكانوا دوّاوين وغيرهم، فضربهم وأخذ خطوطهم بأموال جزيلة يحملونها، وذلك بغير رضى من المعتز في الباطن واحتيط على أموالهم وحواصلهم وضياعهم وسموا الكتاب الخونة وولى الخليفة عن قهر غيرهم.
وفي رجب منها ظهر عيسى بن جعفر وعلى بن زيد الحسنيان بالكوفة وقتلا بها عبد الله بن محمد بن داود بن عيسى واستفحل أمرهما بها.
[موت الخليفة المعتز بن المتوكل]
ولثلاث بقين من رجب من هذه السنة خلع الخليفة المعتز بالله، ولليلتين مضتا من شعبان أظهر موته. وكان سبب خلعه أن الجند اجتمعوا فطلبوا منه أرزاقهم فلم يكن عنده ما يعطيهم، فسأل من أن تقرضه مالا يدفعهم عنه به فلم تعطه. وأظهرت أنه لا شيء عندها، فاجتمع الأتراك على خلعه فأرسلوا إليه ليخرج إليهم فاعتذر بأنه قد شرب دواء وأن عنده ضعفا، ولكن ليدخل إلى بعضكم.
فدخل إليه بعض الأمراء فتناولوه بالدبابيس يضربونه وجروا برجله وأخرجوه وعليه قميص مخرق ملطخ بالدم، فأقاموه في وسط دار الخلافة في حر شديد حتى جعل يراوح بين رجليه من شدة الحر، وجعل بعضهم يلطمه وهو يبكى ويقول له الضارب اخلعها والناس مجتمعون ثم أدخلوه حجرة مضيقا عليه فيها. وما زالوا عليه بأنواع العذاب حتى خلع نفسه من الخلافة وولى بعده المهتدي بالله كما سيأتي. ثم سلموه إلى من يسومه سوء العذاب بأنواع المثلات، ومنع من الطعام والشراب ثلاثة أيام حتى جعل يطلب شربة من ماء البئر فلم يسق، ثم أدخلوه سربا فيه جص جير فدسوه فيه فأصبح ميتا، فاستلوه من الجص سليم الجسد وأشهدوا عليه جماعة من الأعيان أنه مات وليس به أثر، وكان ذلك في اليوم الثاني من شعبان من هذه السنة، وكان يوم السبت، وصلى عليه المهتدي بالله، ودفن مع أخيه المنتصر إلى جانب قصر الصوامع، عن أربع وعشرين سنة.
وكانت خلافته أربع سنين وستة أشهر وثلاثة وعشرين يوما وكان طويلا جسيما وسيما أقنى الأنف مدور الوجه حسن الضحك أبيض أسود الشعر مجعده، كثيف اللحية حسن العينين ضيق الحاجبين أحمر الوجه وقد أثنى عليه الامام أحمد في جودة ذهنه وحسن فهمه وأدبه حين دخل عليه في حياة أبيه المتوكل، كما قدمنا في ترجمة أحمد. وروى الخطيب عن على بن حرب قال: دخلت على المعتز فما رأيت خليفة أحسن وجها منه، فلما رأيته سجدت فقال: يا شيخ تسجد لغير الله؟ فقلت:
حدثنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد النبيل ثنا بكار بن عبد العزيز بن أبى بكرة عن أبيه عن جده «أن رسول الله ﷺ كان إذا رأى ما يفرح به أو بشّر بما يسره سجد شكرا لله ﷿». وقال الزبير ابن بكار: سرت إلى المعتز وهو أمير فلما سمع بقدومي خرج مستعجلا إلى فعثر فأنشأ يقول: -