عبد الرحمن بن يوسف البعلبكي الحنبلي، شيخ دار الحديث النورية ومشهد ابن عروة، وشيخ الصدرية، كان يفتى ويفيد الناس مع ديانة وصلاح وزهادة وعبادة، ولد سنة إحدى عشرة وستمائة، وتوفى في رجب منها.
[ثم دخلت سنة تسع وثمانين وستمائة]
فيها كانت وفاة الملك المنصور قلاوون، وكان الخليفة الحاكم العباسي، ونائب مصر حسام الدين طرقطاى، ونائب الشام حسام الدين لاجين، وقضاة الشام شهاب الدين بن الخوى الشافعيّ، وحسام الدين الحنفي، ونجم الدين بن شيخ الجبل، وجمال الدين الزواوى المالكي، وجاء البريد يطلب شمس الدين سنقر الأشقر إلى الديار المصرية، فأكرمه السلطان وقواه وشديدة وأمره باستخلاص الأموال، وزاده مشد الجيوش، والكلام على الحصون إلى البيرة وكختا وغير ذلك، فقويت نفسه وزاد تجبره ولكن كان يرجع إلى مروءة وستر وينفع من ينتمى إليه، وذلك مودة في الدنيا في أيام قلائل، وفي جمادى الآخرة جاء البريد بالكشف على ناصر الدين المقدسي وكيل بيت المال، وناظر الخاص، فظهرت عليه مخازي من أكل الأوقاف وغيرها، فرسم عليه بالعذراوية وطولب بتلك الأموال وضيق عليه، وعمل فيه سيف الدين أبو العباس السامري قصيدة يتشفى فيها لما كان أسدى إليه من الظلم والإيذاء، مع أنه راح إليه وتغمم له وتمازحا هنالك، ثم جاء البريد بطلبه إلى الديار المصرية فخاف النواب من ذهابه، فأصبح يوم الجمعة وهو مشنوق بالمدرسة العذراوية، فطلبت القضاة والشهود فشاهدوه كذلك، ثم جهز وصلى عليه بعد الجمعة ودفن بمقابر الصوفية عند أبيه، وكان مدرسا بالرواحية وتربة أم الصالح، مع الوكالتين والنظر.
وجاء البريد بعمل مجانيق لحصار عكا فركب الأعسر إلى أراضى بعلبكّ لما هنالك من الأخشاب العظيمة التي لا يوجد مثلها بدمشق، وهي تصلح لذلك، فكثرت الجنايات والجبايات والسخر، وكلفوا الناس تكليفا كثيرا، وأخذوا أخشاب الناس، وحملت إلى دمشق بكلفة عظيمة وشدة كثيرة، ف ﴿إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ﴾.
[وفاة الملك المنصور قلاوون]
بينما الناس في هذا الهم والمصادرات وأمثال ذلك إذ وردت بريدية فأخبروا بوفاة الملك المنصور يوم السبت سادس ذي القعدة من هذه السنة، بالمخيم ظاهر القاهرة، ثم حمل إلى قلعة الجبل ليلا وجلس بعده ولده الملك الأشرف خليل بولاية العهد له، وحلف له جميع الأمراء، وخطب له على المنابر، وركب في أبهة الملك، والعساكر كلهم في خدمته مشاة من قلعة الجبل إلى الميدان الأسود الّذي هو سوق الخيل، وعلى الأمراء والمقدمين الخلع، وعلى القضاة والأعيان، ولما جاءت الأخبار