للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنْ أَدَعَ مِثْلَ مُعَاوِيَةَ يَحْكُمُ عَلَى الْأُمَّةِ وَيَشُقُّ عَصَاهَا، فَرَجَعُوا إِلَى مُعَاوِيَةَ فَقَالَ: مَا بَالُ مَنْ هَاهُنَا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ لَمْ يدخلوا في هذا الأمر؟ فرجعوا فقال على: إنما هذا للبدرين دُونَ غَيْرِهِمْ، وَلَيْسَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ بَدْرِيٌّ إلا وهو معى، وقد بايعنى وقد رضى، فَلَا يَغُرَّنَّكُمْ مِنْ دِينِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ، قَالَ: فَأَقَامُوا يتراسلون في ذلك شهر ربيع الآخر وجماديين ويقرعون في غبون ذلك القرعة بعد القرعة ويزحف بعضهم على بعض، ويحجر بينهم القراء، فلا يكون قتال قال: فقرعوا في ثلاثة أشهر خمسة وثمانين قرعة. قَالَ: وَخَرَجَ أَبُو الدَّرْدَاءِ وَأَبُو أُمَامَةَ فَدَخَلَا على معاوية فقالا له: يا معاوية على م تقاتل هذا الرجل؟ فو الله إنه أقدم منك ومن أبيك إسلاما، وَأَقْرَبُ مِنْكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَحَقُّ بِهَذَا الْأَمْرِ مِنْكَ. فَقَالَ: أُقَاتِلُهُ عَلَى دَمِ عُثْمَانَ وَأَنَّهُ أَوَى قَتَلَتَهُ، فَاذْهَبَا إِلَيْهِ فَقُولَا لَهُ فَلْيُقِدْنَا مِنْ قَتَلَةِ عثمان ثم أنا أول من بايعه مَنْ أَهْلِ الشَّامِ، فَذَهَبَا إِلَى عَلِيٍّ فَقَالَا له ذلك فقال: هؤلاء الذين تريان فَخَرَجَ خَلْقٌ كَثِيرٌ فَقَالُوا: كُلُّنَا قَتَلَةُ عُثْمَانَ فمن شاء فليرمنا. قَالَ: فَرَجَعَ أَبُو الدَّرْدَاءِ وَأَبُو أُمَامَةَ فَلَمْ يشهدا لهم حربا. قال عمرو بْنُ سَعْدٍ بِإِسْنَادِهِ حَتَّى إِذَا كَانَ رَجَبٌ وَخَشِيَ مُعَاوِيَةُ أَنْ تُبَايِعَ الْقُرَّاءُ كُلُّهُمْ عَلِيًّا كَتَبَ فِي سَهْمٍ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ النَّاصِحِ: يَا مَعْشَرَ أَهْلِ الْعِرَاقِ! إِنَّ مُعَاوِيَةَ يُرِيدُ أَنْ يَفْجُرَ عَلَيْكُمُ الْفُرَاتَ لِيُغْرِقَكُمْ فَخُذُوا حِذْرَكُمْ، وَرَمَى بِهِ فِي جَيْشِ أَهْلِ الْعِرَاقِ. فَأَخَذَهُ الناس فقرءوه وَتَحَدَّثُوا بِهِ، وَذَكَرُوهُ لِعَلِيٍّ فَقَالَ: إِنَّ هَذَا مَا لَا يَكُونُ وَلَا يَقَعُ. وَشَاعَ ذَلِكَ، وَبَعَثَ مُعَاوِيَةُ مِائَتَيْ فَاعِلٍ يَحْفِرُونَ فِي جَنْبِ الفرات وبلغ الناس ذلك فتشوش أَهْلُ الْعِرَاقِ مِنْ ذَلِكَ وَفَزِعُوا إِلَى عَلِيٍّ فقال: ويحكم! إنه يريد خديعتكم لِيُزِيلَكُمْ عَنْ مَكَانِكُمْ هَذَا وَيَنْزِلَ فِيهِ لِأَنَّهُ خير من مكانه. فقالوا: لا بد من أن نخلي عن هذا الموضع فارتحلوا منه، وجاء معاوية فنزل بِجَيْشِهِ- وَكَانَ عَلِيٌّ آخَرَ مَنِ ارْتَحَلَ- فَنَزَلَ بِهِمْ وَهُوَ يَقُولُ:

فَلَوْ أَنِّي أَطَعْتُ عَصَمْتُ قومي ... إلى ركن اليمامة أو شآم

وَلَكِنِّي إِذَا أَبْرَمْتُ أَمْرًا ... يُخَالِفُهُ الطَّغَامُ بَنُو الطَّغَامِ

قَالَ: فَأَقَامُوا إِلَى شَهْرِ ذِي الْحِجَّةِ ثم شرعوا في المقاتلة فَجَعَلَ عَلِيٌّ يُؤَمِّرُ عَلَى الْحَرْبِ كُلَّ يَوْمٍ رَجُلًا وَأَكْثَرُ مَنْ كَانَ يُؤَمِّرُ الْأَشْتَرُ. وَكَذَلِكَ معاوية يُؤَمِّرُ كُلَّ يَوْمٍ أَمِيرًا فَاقْتَتَلُوا شَهْرَ ذِي الْحِجَّةِ بِكَمَالِهِ، وَرُبَّمَا اقْتَتَلُوا فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ مَرَّتَيْنِ قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: ثُمَّ لَمْ تَزَلِ الرُّسُلُ تَتَرَدَّدُ بَيْنَ عَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ وَالنَّاسُ كَافُّونَ عَنِ الْقِتَالِ حَتَّى انْسَلَخَ الْمُحَرَّمُ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ وَلَمْ يَقَعْ بَيْنَهُمْ صُلْحٌ، فأمر على ابن أبى طالب يزيد بْنَ الْحَارِثِ الْجُشَمِيَّ فَنَادَى أَهْلَ الشَّامِ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ أَلَا إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ يَقُولُ لكم: إني قد استأنيتكم لِتُرَاجِعُوا الْحَقَّ، وَأَقَمْتُ عَلَيْكُمُ الْحُجَّةَ فَلَمْ تُجِيبُوا، وإني قد نبذت إِلَيْكُمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ. فَفَزِعَ أَهْلُ الشَّامِ إِلَى أُمَرَائِهِمْ فَأَعْلَمُوهُمْ بما سمعوا المنادي

<<  <  ج: ص:  >  >>