للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَخَيَّمَ عَلَى الْكُسْوَةِ يَوْمَ السَّبْتِ سَادِسِ جُمَادَى، وحاصر البلد، فمانعه أخوه ودافعه عنها، فقطع الْأَنْهَارُ وَنُهِبَتِ الثِّمَارُ، وَاشْتَدَّ الْحَالُ، وَلَمْ يَزَلِ الْأَمْرُ كَذَلِكَ حَتَّى قَدِمَ الْعَادِلُ عَمُّهُمَا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمَا، وَرَدَّ الْأَمْرَ لِلْأُلْفَةِ بَعْدَ الْيَمِينِ عَلَى أَنْ يَكُونَ لِلْعَزِيزِ الْقُدْسُ وَمَا جَاوَرَ فِلَسْطِينَ مِنْ نَاحِيَتِهِ أَيْضًا، وَعَلَى أَنْ يَكُونَ جَبَلَةُ وَاللَّاذِقِيَّةُ لِلظَّاهِرِ صَاحِبِ حَلَبَ، وَأَنْ يَكُونَ لِعَمِّهِمَا الْعَادِلِ إِقْطَاعُهُ الْأَوَّلُ بِبِلَادِ مِصْرَ مُضَافًا إِلَى مَا بِيَدِهِ مِنَ الشَّامِ وَالْجَزِيرَةِ كَحَرَّانَ وَالرُّهَا وَجَعْبَرَ وَمَا جَاوَرَ ذَلِكَ، فَاتَّفَقُوا عَلَى ذَلِكَ، وَتَزَوَّجَ الْعَزِيزُ بِابْنَةِ عَمِّهِ الْعَادِلِ، وَمَرِضَ ثُمَّ عُوفِيَ وَهُوَ مُخَيِّمٌ بِمَرْجِ الصُّفَّرِ، وَخَرَجَتِ الْمُلُوكُ لِتَهْنِئَتِهِ بِالْعَافِيَةِ وَالتَّزْوِيجِ وَالصُّلْحِ، ثُمَّ كَرَّ رَاجِعًا إِلَى مِصْرَ لِطُولِ شَوْقِهِ إِلَى أَهْلِهِ وَأَوْلَادِهِ، وَكَانَ الْأَفْضَلُ بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهِ قَدْ أَسَاءَ التَّدْبِيرَ فَأَبْعَدَ أُمَرَاءَ أَبِيهِ وَخَوَاصَّهُ، وَقَرَّبَ الْأَجَانِبَ وَأَقْبَلَ عَلَى شُرْبِ الْمُسْكِرِ وَاللَّهْوِ وَاللَّعِبِ، وَاسْتَحْوَذَ عليه وزيره ضياء الدين ابن الْأَثِيرِ الْجَزَرِيُّ، وَهُوَ الَّذِي كَانَ يَحْدُوهُ إِلَى ذَلِكَ، فَتَلِفَ وَأَتْلَفَهُ، وَأَضَلَّ وَأَضَلَّهُ، وَزَالَتِ النِّعْمَةُ عَنْهُمَا كَمَا سَيَأْتِي.

وَفِيهَا كَانَتْ وَقْعَةٌ عَظِيمَةٌ بَيْنَ شِهَابِ الدِّينِ مَلِكِ غَزْنَةَ وَبَيْنَ كُفَّارِ الْهِنْدِ، أَقْبَلُوا إِلَيْهِ فِي أَلْفِ أَلْفِ مُقَاتِلٍ، وَمَعَهُمْ سَبْعُمِائَةِ فِيلٍ مِنْهَا فِيلٌ أَبْيَضُ لَمْ ير مثله، فالتقوا فاقتتلوا قتالا شديدا لَمْ يُرَ مِثْلُهُ، فَهَزَمَهُمْ شِهَابُ الدِّينِ عِنْدَ نهر عظيم يقال له الملاحون، وَقَتَلَ مَلِكَهُمْ وَاسْتَحْوَذَ عَلَى حَوَاصِلِهِ وَحَوَاصِلِ بِلَادِهِ وَغَنِمَ فِيَلَتَهُمُ وَدَخَلَ بَلَدَ الْمَلِكِ الْكُبْرَى، فَحَمَلَ مِنْ خِزَانَتِهِ ذَهَبًا وَغَيْرَهُ عَلَى أَلْفٍ وَأَرْبَعِمِائَةِ جَمَلٍ، ثُمَّ عَادَ إِلَى بِلَادِهِ سَالِمًا مَنْصُورًا.

وَفِيهَا مَلَكَ السُّلْطَانُ خُوَارِزْمُ شَاهْ تِكِشُ- وَيُقَالُ لَهُ ابْنُ الْأَصْبَاعِيِّ- بِلَادَ الرَّيِّ وَغَيْرَهَا، وَاصْطَلَحَ مع السلطان طغرلبك السَّلْجُوقِيِّ وَكَانَ قَدْ تَسَلَّمَ بِلَادَ الرَّيِّ وَسَائِرَ مَمْلَكَةِ أَخِيهِ سُلْطَانِ شَاهْ وَخَزَائِنِهِ، وَعَظُمَ شَأْنُهُ، ثم التقى هو والسلطان طغرلبك فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ. فَقَتَلَ السلطان طغرلبك، وَأَرْسَلَ رَأْسَهُ إِلَى الْخَلِيفَةِ، فَعُلِّقَ عَلَى بَابِ النُّوبَةِ عِدَّةَ أَيَّامٍ، وَأَرْسَلَ الْخَلِيفَةُ الْخِلَعَ وَالتَّقَالِيدَ إلى السلطان خوارزم شاه، وملك همدان وَغَيْرَهَا مِنَ الْبِلَادِ الْمُتَّسِعَةِ.

وَفِيهَا نَقَمَ الْخَلِيفَةُ على الشيخ أبى الفرج بن الجوزي وغضب عليه، ونفاه إلى واسط، فمكث بها خمسة أيام لم يأكل طعاما، وَأَقَامَ بِهَا خَمْسَةَ أَعْوَامٍ يَخْدِمُ نَفْسَهُ وَيَسْتَقِي لِنَفْسِهِ الْمَاءَ، وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ بَلَغَ ثَمَانِينَ سَنَةً، وَكَانَ يَتْلُو فِي كُلِّ يَوْمٍ وليلة ختمة. قال: ولم أقرأ يُوسُفَ لِوَجْدِي عَلَى وَلَدِي يُوسُفَ، إِلَى أَنْ فَرَّجَ اللَّهُ كَمَا سَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ.

وَفِيهَا تُوُفِّيَ مِنَ الْأَعْيَانِ

أَحْمَدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ يُوسُفَ

أَبُو الْخَيْرِ الْقَزْوِينِيُّ الشَّافِعِيُّ الْمُفَسِّرُ، قَدِمَ بَغْدَادَ وَوَعَظَ بِالنِّظَامِيَّةِ، وَكَانَ يَذْهَبُ إِلَى قَوْلِ الْأَشْعَرِيِّ فِي الْأُصُولِ، وَجَلَسَ فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ فَقِيلَ لَهُ: الْعَنْ يَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ: ذَاكَ إِمَامٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>