الصغار، فأخذوه وتولى عقوبته من بينهم الشجاعي فضرب ضربا عظيما، وقرر على الأموال ولم يزالوا يعاقبونه حتى كانت وفاته في عاشر صفر بعد أن احتيط على حواصله كلها. وأحضر جسد الأشرف فدفن بتربته، وتألم الناس لفقده وأعظموا قتله، وقد كان شهما شجاعا عالى الهمة حسن المنظر، كان قد عزم على غزو العراق واسترجاع تلك البلاد من أيدي التتار، واستعد لذلك ونادى به في بلاده، وقد فتح في مدة ملكه - وكانت ثلاث سنين - عكا وسائر السواحل، ولم يترك للفرنج فيها معلما ولا حجرا، وفتح قلعة الروم وبهسنا وغيرها.
فلما جاءت بيعة الناصر إلى دمشق خطب له بها على المنابر، واستقر الحال على ذلك، وجعل الأمير كتبغا أتابكه، والشجاعي مشاورا كبيرا، ثم قتل بعد أيام بقلعة الجبل، وحمل رأسه إلى كتبغا فأمر أن يطاف به في البلد، ففرح الناس بذلك وأعطوا الذين حملوا رأسه مالا، ولم يبق لكتبغا منازع، ومع هذا كان يشاور الأمراء تطييبا لقلوبهم.
وفي صفر بعد موت ابن السلعوس عزل بدر الدين بن جماعة عن القضاء وأعيد تقى الدين بن بنت الاعز واستمر ابن جماعة مدرسا بمصر في كفاية ورياسة، وتولى الوزارة بمصر الصاحب تاج الدين ابن الحنا، وفي ظهر يوم الأربعاء الحادي والعشرين من صفر رتب إمام بمحراب الصحابة، وهو كمال الدين عبد الرحمن بن القاضي محيي الدين بن الزكي، وصلى بعدئذ بعد الخطيب، ورتب بالمكتب الّذي بباب الناطفانيين إمام أيضا، وهو ضياء الدين بن برهان الدين الإسكندري، وباشر نظر الجامع الشريف زين الدين حسين بن محمد بن عدنان، وعاد سوق الحريريين إلى سوقه، وأخلوا قيسارية القطن الّذي كان نواب طغجى ألزموهم بسكناها، وولى خطابة دمشق الشيخ العلامة شرف الدين أحمد بن جمال الدين أحمد بن نعمة بن أحمد المقدسي، بعد عزل موفق الدين الحموي دعوه إلى حماة فخطب المقدسي يوم الجمعة نصف رجب، وقرئ تقليده وكانت ولايته بإشارة تاج الدين ابن الحنا الوزير بمصر، وكان فصيحا بليغا عالما بارعا.
وفي أواخر رجب حلف الأمراء للأمير زين الدين كتبغا مع الملك الناصر محمد بن قلاوون وسارت البيعة بذلك في سائر المدن والمعامل.
[واقعة عساف النصراني]
كان هذا الرجل من أهل السويداء قد شهد عليه جماعة أنه سب النبي ﷺ، وقد استجار عساف هذا بابن أحمد بن حجى أمير آل على، فاجتمع الشيخ تقى الدين بن تيمية، والشيخ زين الدين الفارقيّ شيخ دار الحديث، فدخلا على الأمير عز الدين أيبك الحموي نائب السلطنة فكلماه في أمره فأجابهما إلى ذلك، وأرسل ليحضره فخرجا من عنده ومعهما خلق كثير من الناس،