في أيامه، في كثرة مغازيه، وكثرة فتوحه، وقوة عزمه، وشدة بأسه، وجودة تصرفه في نقضه وإبرامه، وهذا مع الكرم والفصاحة، وقال يوما لنصيب الشاعر: سلني، قال: لا، قال: ولم؟ قال:
لأن كفك بالجزيل أكثر من مسألتى باللسان. فأعطاه ألف دينار. وقال أيضا: الأنبياء لا يتنابون كما يتناب الناس ما ناب نبي قط وقد أوصى بثلث ماله لأهل الأدب، وقال: إنها صنعة جحف أهلها. وقال الوليد بن مسلم وغيره: توفى يوم الأربعاء لسبع مضين من المحرم سنة إحدى وعشرين ومائة، وقيل في سنة عشرين ومائة، وكانت وفاته بموضع يقال له الحانوت، وقد رثاه بعضهم، وهو ابن أخيه الوليد بن يزيد بن عبد الملك فقال:
أقول وما البعد إلا الردى … أمسلم لا تبعدن مسلمه
فقد كنت نورا لنا في البلاد … مضيئا فقد أصبحت مظلمة
ونكتم موتك نخشى اليقين … فأبدى اليقين لنا الجمجمة
[نمير بن قيس]
الأشعري قاضى دمشق، تابعي جليل، روى عن حذيفة مرسلا وأبى موسى مرسلا وأبى الدرداء وعن معاوية مرسلا وغير واحد من التابعين، وحدث عنه جماعة كثيرون، منهم الأوزاعي وسعيد ابن عبد العزيز ويحيى بن الحارث الذمارى. ولاه هشام بن عبد الملك القضاء بدمشق بعد عبد الرحمن ابن الخشخاش العذري، ثم استعفى هشاما فعفاه وولى مكانه بزيد بن عبد الرحمن بن أبى ملك.
وكان نمير هذا لا يحكم باليمين مع الشاهد، وكان يقول: الأدب من الآباء، والصلاح من الله. قال غير واحد: توفى سنة إحدى وعشرين ومائة، وقيل سنة ثنتين وعشرين ومائة، وقيل سنة خمس عشرة ومائة، وهو غريب والله سبحانه أعلم
[ثم دخلت سنة ثنتين وعشرين ومائة]
ففيها كان مقتل زيد بن على بن الحسين بن على بن أبى طالب، وكان سبب ذلك أنه لما أخذ البيعة ممن بايعه من أهل الكوفة، أمرهم في أول هذه السنة بالخروج والتأهب له، فشرعوا في أخذ الأهبة لذلك. فانطلق رجل يقال له سليمان بن سراقة إلى يوسف بن عمر نائب العراق فأخبره - وهو بالحيرة يومئذ - خبر زيد بن على هذا ومن معه من أهل الكوفة، فبعث يوسف بن عمر يتطلبه ويلح في طلبه، فلما علمت الشيعة ذلك اجتمعوا عند زيد بن على فقالوا له: ما قولك يرحمك الله في أبى بكر وعمر؟ فقال: غفر الله لهما، ما سمعت أحدا من أهل بيتي تبرأ منهما، وأنا لا أقول فيهما إلا خيرا، قالوا: فلم تطلب إذا بدم أهل البيت؟ فقال: إنا كنا أحق الناس بهذا الأمر، ولكن القوم استأثروا علينا به ودفعونا عنه، ولم يبلغ ذلك عندنا بهم كفرا، قد ولوا فعدلوا، وعملوا بالكتاب