للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَيْمَنَةِ ابْنِ الْأَشْعَثِ فَهَزَمَهَا وَقَتَلَ خَلْقًا كَثِيرًا مِنَ الْقُرَّاءِ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ الْأَشْعَثِ فِي هذا اليوم، وخر الحجاج للَّه ساجدا بعد ما كان جثى عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَسَلَّ شَيْئًا مِنْ سَيْفِهِ وَجَعَلَ يَتَرَحَّمُ عَلَى مُصْعَبِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَيَقُولُ: مَا كان أكرمه حتى صَبَرَ نَفْسَهُ لِلْقَتْلِ، وَكَانَ مِنْ جُمْلَةِ مَنْ قُتِلَ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ الْأَشْعَثِ أَبُو الطُّفَيْلِ بن عامر بن وائلة اللَّيْثِيُّ، وَلَمَّا فَرَّ أَصْحَابُ ابْنِ الْأَشْعَثِ رَجَعَ ابن الأشعث بمن بقي معه ومن تبعه مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، فَسَارَ حَتَّى دَخَلَ الْكُوفَةَ فَعَمَدَ أَهْلُ الْبَصْرَةِ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عياش بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَبَايَعُوهُ، فَقَاتَلَ الْحَجَّاجَ خَمْسَ لَيَالٍ أَشَدَّ الْقِتَالِ، ثُمَّ انْصَرَفَ فَلَحِقَ بِابْنِ الْأَشْعَثِ، وَتَبِعَهُ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، فَاسْتَنَابَ الْحَجَّاجُ عَلَى الْبَصْرَةِ أيوب بن الحكم ابن أَبِي عَقِيلٍ، وَدَخَلَ ابْنُ الْأَشْعَثِ الْكُوفَةَ فَبَايَعَهُ أَهْلُهَا عَلَى خَلْعِ الْحَجَّاجِ وَعَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ، وَتَفَاقَمَ الْأَمْرُ وَكَثُرَ مُتَابِعُو ابْنِ الْأَشْعَثِ عَلَى ذَلِكَ، وَاشْتَدَّ الْحَالُ، وَتَفَرَّقَتِ الْكَلِمَةُ جِدًّا وعظم الخطب، واتسع الخرق على الراقع.

قال الواقدي: ولما الْتَقَى جَيْشُ الْحَجَّاجِ وَجَيْشُ ابْنِ الْأَشْعَثِ بِالزَّاوِيَةِ جَعَلَ جَيْشُ الْحَجَّاجِ يَحْمِلُ عَلَيْهِمْ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ، فَقَالَ الْقُرَّاءُ وَكَانَ عَلَيْهِمْ جَبَلَةُ بْنُ زَحْرٍ-: أَيُّهَا النَّاسُ لَيْسَ الْفِرَارُ مِنْ أَحَدٍ بأقبح مِنْكُمْ فَقَاتِلُوا عَنْ دِينِكُمْ وَدُنْيَاكُمْ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ نَحْوَ ذَلِكَ، وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: قَاتِلُوهُمْ عَلَى جَوْرِهِمْ وَاسْتِذْلَالِهِمُ الضُّعَفَاءَ وَإِمَاتَتِهِمُ الصَّلَاةَ، ثُمَّ حَمَلَتِ الْقُرَّاءُ- وَهُمُ الْعُلَمَاءُ- عَلَى جَيْشِ الْحَجَّاجِ حملة صادقة فبرعوا فِيهِمْ ثُمَّ رَجَعُوا فَإِذَا هُمْ بِمُقَدَّمِهِمْ جَبَلَةُ بن زحر صريعا، فهدمهم ذَلِكَ فَنَادَاهُمْ جَيْشُ الْحَجَّاجِ يَا أَعْدَاءَ اللَّهِ قَدْ قَتَلْنَا طَاغِيَتَكُمْ، ثُمَّ حَمَلَ سُفْيَانُ بْنُ الْأَبْرَدِ وَهُوَ عَلَى خَيْلِ الْحَجَّاجِ عَلَى مَيْسَرَةِ ابن الأشعث وعليها الأبرد بن مرة التميمي، فانهزموا ولم يقاتلوا كثيرا قِتَالٍ، فَأَنْكَرَ النَّاسُ مِنْهُمْ ذَلِكَ، وَكَانَ أَمِيرُ مَيْسَرَةِ ابْنِ الْأَشْعَثِ الْأَبْرَدُ شُجَاعًا لَا يَفِرُّ، وَظَنُّوا أَنَّهُ قَدْ خَامَرَ، فَنُقِضَتِ الصُّفُوفُ وَرَكِبَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَكَانَ ابْنُ الْأَشْعَثِ يُحَرِّضُ النَّاسَ عَلَى الْقِتَالِ، فَلَمَّا رَأَى مَا النَّاسُ فِيهِ أَخَذَ مَنِ اتَّبَعَهُ وَذَهَبَ إِلَى الْكُوفَةِ فبايعه أهلها، ثُمَّ كَانَتْ وَقْعَةُ دَيْرِ الْجَمَاجِمِ فِي شَعْبَانَ من هذه السنة.

[وقعة دير الجماجم]

قال الْوَاقِدِيُّ: وَذَلِكَ أَنَّ ابْنَ الْأَشْعَثِ لَمَّا قَصَدَ الْكُوفَةَ خَرَجَ إِلَيْهِ أَهْلُهَا فَتَلَقَّوْهُ وَحَفَوْا بِهِ وَدَخَلُوا بَيْنَ يَدَيْهِ، غَيْرَ أَنَّ شِرْذِمَةً قَلِيلَةً أَرَادَتْ أَنْ تُقَاتِلَهُ دُونَ مَطَرِ بْنِ نَاجِيَةَ نَائِبِ الْحَجَّاجِ فَلَمْ يُمَكِّنْهُمْ مِنْ ذَلِكَ، فَعَدَلُوا إِلَى الْقَصْرِ، فَلَمَّا وَصَلَ ابْنُ الْأَشْعَثِ إِلَى الكوفة أمر بالسلالم فَنُصِبَتْ عَلَى قَصْرِ الْإِمَارَةِ فَأَخَذَهُ وَاسْتَنْزَلَ مَطَرَ بْنَ نَاجِيَةَ وَأَرَادَ قَتْلَهُ فَقَالَ لَهُ: اسْتَبْقِنِي فَإِنِّي خَيْرٌ مِنْ فُرْسَانِكَ، فَحَبَسَهُ ثُمَّ اسْتَدْعَاهُ فَأَطْلَقَهُ وَبَايَعَهُ وَاسْتَوْثَقَ لِابْنِ الْأَشْعَثِ أَمْرُ الْكُوفَةِ وَانْضَمَّ إِلَيْهِ مَنْ جَاءَ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، وَكَانَ مِمَّنْ قَدِمَ عَلَيْهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْعَبَّاسِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَأَمَرَ بِالْمَسَالِحِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، وَحُفِظَتِ

<<  <  ج: ص:  >  >>