للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَنْهُ، وَقَدْ قَالَ ضِرَارُ بْنُ الْأَزْوَرِ فِي غزوة اليمامة هذه:

فلو سُئِلَتْ عَنَّا جَنُوبُ لَأَخْبَرَتْ ... عَشِيَّةَ سَالَتْ عَقْرَبَاءُ وَمَلْهَمُ

وَسَالَ بِفَرْعِ الْوَادِ حَتَّى تَرَقْرَقَتْ ... حِجَارَتُهُ فِيهِ مِنَ الْقَوْمِ بِالدَّمِ

عَشِيَّةَ لَا تُغْنِي الرِّمَاحُ مَكَانَهَا ... وَلَا النَّبْلُ إِلَّا الْمَشْرَفِيُّ الْمُصَمِّمُ

فأن تبتغي الكفار غير مسلمية ... جَنُوبُ فَإِنِّي تَابِعُ الدِّينِ مُسْلِمُ

أُجَاهِدُ إِذْ كَانَ الْجِهَادُ غَنِيمَةً ... وللَّه بِالْمَرْءِ الْمُجَاهِدِ أَعْلَمُ

وقد قال خليفة بن حناط، وَمُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ، وَخَلْقٌ مِنَ السَّلَفِ: كَانَتْ وَقْعَةُ الْيَمَامَةِ فِي سَنَةِ إِحْدَى عَشْرَةَ، وَقَالَ ابْنُ قَانِعٍ: فِي آخِرِهَا، وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ وَآخَرُونَ: كَانَتْ فِي سَنَةِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ، وَالْجَمْعُ بَيْنَهَا أَنَّ ابْتِدَاءَهَا فِي سِنَةِ إِحْدَى عَشْرَةَ، وَالْفَرَاغَ مِنْهَا فِي سَنَةِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَلَمَّا قَدِمَتْ وُفُودُ بَنِي حَنِيفَةَ عَلَى الصِّدِّيقِ قَالَ لَهُمْ: أَسْمِعُونَا شَيْئًا مِنْ قُرْآنِ مُسَيْلِمَةَ، فقالوا: أو تعفينا يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ؟

فَقَالَ: لَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ، فَقَالُوا: كَانَ يَقُولُ: يَا ضِفْدَعُ بنت الضفدعين نقى لكم نقين، لَا الْمَاءَ تُكَدِّرِينْ وَلَا الشَّارِبَ تَمْنَعِينْ، رَأْسُكِ فِي الْمَاءِ، وَذَنَبُكِ فِي الطِّينْ، وَكَانَ يَقُولُ: وَالْمُبَذِّرَاتِ زَرْعًا، وَالْحَاصِدَاتِ حَصْدًا، وَالذَّارِيَاتِ قَمْحًا، وَالطَّاحِنَاتِ طِحْنًا، وَالْخَابِزَاتِ خَبْزًا، وَالثَّارِدَاتِ ثَرْدًا، وَاللَّاقِمَاتِ لَقْمًا، إِهَالَةً وَسَمْنًا، لَقَدْ فُضِّلْتُمْ عَلَى أَهْلِ الْوَبَرِ، وَمَا سَبَقَكُمْ أَهْلُ الْمَدَرِ، رَفِيقَكُمْ فَامْنَعُوهُ، وَالْمُعْتَرَّ فآووه، والناعي فواسوه، وَذَكَرُوا أَشْيَاءَ مِنْ هَذِهِ الْخُرَافَاتِ الَّتِي يَأْنَفُ مِنْ قَوْلِهَا الصِّبْيَانُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ، فَيُقَالُ:

إِنَّ الصِّدِّيقَ قَالَ لَهُمْ: وَيَحَكُمُ، أَيْنَ كَانَ يُذْهَبُ بقولكم؟ إِنَّ هَذَا الْكَلَامَ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ إِلٍّ، وَكَانَ يَقُولُ: وَالْفِيلْ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْفِيلْ، لَهُ زَلُّومٌ طَوِيلْ، وَكَانَ يَقُولُ: وَاللَّيْلُ الدَّامِسْ، وَالذِّئْبُ الْهَامِسْ، مَا قَطَعَتْ أَسَدٌ مِنْ رَطْبٍ وَلَا يَابِسْ، وَتَقَدَّمَ قَوْلُهُ: لَقَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَى الْحُبْلَى، أَخْرَجَ مِنْهَا نَسَمَةً تَسْعَى، مِنْ بين صفاق وحشي، وَأَشْيَاءُ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ السَّخِيفِ الرَّكِيكِ الْبَارِدِ السميج وقد أورد أبو بكر ابن الْبَاقِلَّانِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ إِعْجَازِ الْقُرْآنِ أَشْيَاءَ مِنْ كَلَامِ هَؤُلَاءِ الْجَهَلَةِ الْمُتَنَبِّئِينَ كَمُسَيْلِمَةَ وَطُلَيْحَةَ وَالْأَسْوَدِ وَسَجَاحِ وَغَيْرِهِمْ، مِمَّا يَدُلُّ عَلَى ضَعْفِ عُقُولِهِمْ وَعُقُولِ مَنِ اتَّبَعَهُمْ عَلَى ضَلَالِهِمْ وَمِحَالِهِمْ وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ وَفَدَ إِلَى مُسَيْلِمَةَ فِي أَيَّامِ جَاهِلِيَّتِهِ، فَقَالَ لَهُ مُسَيْلِمَةُ: مَاذَا أُنْزِلَ عَلَى صَاحِبِكُمْ فِي هَذَا الْحِينِ؟ فَقَالَ لَهُ عَمْرٌو: لَقَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ سُورَةٌ وَجِيزَةٌ بَلِيغَةٌ، فَقَالَ: وَمَا هِيَ؟ قَالَ: أُنْزِلَ عَلَيْهِ وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ ١٠٣: ١- ٣ قَالَ: فَفَكَّرَ مُسَيْلِمَةُ سَاعَةً ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: وَلَقَدْ أُنْزِلَ عَلَيَّ مِثْلُهَا، فَقَالَ لَهُ عمرو: وما هي؟ فقال مسيلمة: ياوبر ياوبر، إنما أنت إيراد وصدر، وسائرك حفر نَقْرٌ. ثُمَّ قَالَ: كَيْفَ تَرَى يَا عَمْرُو؟ فَقَالَ لَهُ عَمْرُو: وَاللَّهِ إِنَّكَ لَتَعْلَمُ أَنِّي أعلم أنك تكذب وَذَكَرَ عُلَمَاءُ التَّارِيخِ أَنَّهُ كَانَ يَتَشَبَّهُ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،

<<  <  ج: ص:  >  >>