وإنما مثلكم ومثل اليهود والنصارى كرجل استعمل عمالا فقال من يعمل لي إلى نصف النهار على قيراط قيراط فعملت اليهود إلى نصف النهار على قيراط قيراط ثم قال من يعمل لي من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط قيراط فعملت النصارى من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط قيراط ثم قال من يعمل لي من صلاة العصر إلى مغرب الشمس على قيراطين قيراطين الا فأنتم الذين تعملون من صلاة العصر الى المغرب على قيراطين قيراطين الا لكم الأجر مرتين فغضب اليهود والنصارى فقالوا نحن أكثر عملا وأقل عطاء قال الله تعالى (هل ظلمتكم من حقكم شيئا فقالوا لا قال فإنه فضلي أوتيه من أشاء) وهذا الحديث فيه دليل على أن مدة هذه الأمة قصيرة بالنسبة إلى ما مضى من مدد الأمم قبلها لقوله إنما أجلكم في أجل من خلا من الأمم قبلكم كما بين صلاة العصر إلى مغرب الشمس فالماضى لا يعلمه إلا الله كما أن الآتي لا يعلمه إلا هو ولكنه قصير بالنسبة إلى ما سبق ولا اطلاع لأحد على تحديد ما بقي إلا الله ﷿ كما قال الله تعالى ﴿لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلاّ هُوَ﴾ وقال ﴿يَسْئَلُونَكَ عَنِ السّاعَةِ أَيّانَ مُرْساها * فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها * إِلى رَبِّكَ مُنْتَهاها﴾. وما تذكره بعض الناس من الحديث المشهور عند العامة من أنه ﵇ لا يؤلف تحت الأرض فليس له أصل في كتب الحديث وورد فيه حديث أن الدنيا جمعة من جمع الآخرة وفي صحته نظر. والمراد من هذا التشبيه بالعمال تفاوت أجورهم وأن ذلك ليس منوطا بكثرة العمل وقلته بل بأمور أخر معتبرة عند الله تعالى وكم من عمل قليل أجدى ما لا يجديه العمل الكثير هذه ليلة القدر العمل فيها أفضل من عبادة ألف شهر سواها وهؤلاء أصحاب محمد ﷺ أنفقوا في أوقات لو أنفق غيرهم من الذهب مثل أحد ما بلغ من أحدهم ولا نصيفه من تمر وهذا رسول الله ﷺ بعثه الله على رأس أربعين سنة من عمره وقبضه وهو ابن ثلاث وستين على المشهور وقد برز في هذه المدة التي هي ثلاث وعشرون سنة في العلوم النافعة والأعمال الصالحة على سائر الأنبياء قبله حتى على نوح الّذي لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما يدعوهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له ويعمل بطاعة الله ليلا ونهارا صباحا ومساء صلوات الله وسلامه عليه وعلى سائر الأنبياء أجمعين فهذه الأمة انما شرفت وتضاعف ثوابها ببركة سيادة نبيها وشرفه وعظمته كما قال الله تعالى ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اِتَّقُوا اللهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * لِئَلاّ يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ أَلاّ يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ *
[فصل]
وأخبار بنى إسرائيل كثيرة جدا في الكتاب والسند النبويّة ولو ذهبنا نتقصى ذلك لطال الكتاب ولكن ذكرنا ما ذكره الامام أبو عبد الله البخاري في هذا الكتاب ففيه مقنع وكفاية وهو تذكرة وأنموذج