وَأَمَّا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيٌّ الْهَادِي
[فَهُوَ] ابْنُ مُحَمَّدٍ الْجَوَادِ بْنِ عَلِيٍّ الرِّضَا بْنِ مُوسَى الْكَاظِمِ بْنِ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْبَاقِرِ بْنِ عَلِيٍّ زَيْنِ الْعَابِدِينَ بْنِ الْحُسَيْنِ الشَّهِيدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَحَدُ الْأَئِمَّةِ الاثني عشرية، وهو والد الحسن ابن على العسكري المنتظر عند الفرقة الضالة الجاهلة الْكَاذِبَةِ الْخَاطِئَةِ. وَقَدْ كَانَ عَابِدًا زَاهِدًا نَقَلَهُ الْمُتَوَكِّلُ إِلَى سَامَرَّا فَأَقَامَ بِهَا أَزْيَدَ مِنْ عِشْرِينَ سَنَةً بِأَشْهُرٍ. وَمَاتَ بِهَا فِي هَذِهِ السَّنَةِ. وَقَدْ ذُكِرَ لِلْمُتَوَكِّلِ أَنَّ بِمَنْزِلِهِ سِلَاحًا وكتبا كثيرة من الناس، فبعث كبسة فَوَجَدُوهُ جَالِسًا مُسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةِ وَعَلَيْهِ مِدْرَعَةٌ مِنْ صوف وهو على التراب ليس دونه حَائِلٌ، فَأَخَذُوهُ كَذَلِكَ فَحَمَلُوهُ إِلَى الْمُتَوَكِّلِ وَهُوَ عَلَى شَرَابِهِ، فَلَمَّا مَثُلَ بَيْنَ يَدَيْهِ أَجَلَّهُ وأعظمه وَأَجْلَسَهُ إِلَى جَانِبِهِ وَنَاوَلَهُ الْكَأْسَ الَّذِي فِي يده فقال:
يا أمير المؤمنين لم يدخل باطني ولم يُخَالِطْ لَحْمِي وَدَمِي قَطُّ، فَأَعْفِنِي مِنْهُ. فَأَعْفَاهُ ثُمَّ قَالَ لَهُ: أَنْشِدْنِي شِعْرًا فَأَنْشَدَهُ: -
بَاتُوا عَلَى قُلَلِ الْأَجْبَالِ تَحْرُسُهُمْ ... غُلْبُ الرِّجَالِ فَمَا أَغْنَتْهُمُ الْقُلَلُ
وَاسْتُنْزِلُوا بَعْدَ عِزٍّ عَنْ مَعَاقِلِهِمْ ... فأودعوا حفرا يا بئس ما تزلوا
نادى بهم صَارِخٌ مِنْ بَعْدِ مَا قُبِرُوا ... أَيْنَ الْأَسِرَّةُ وَالتِّيجَانُ وَالْحُلَلُ
أَيْنَ الْوُجُوهُ الَّتِي كَانَتْ مُنَعَّمَةً ... مِنْ دُونِهَا تُضْرَبُ الْأَسْتَارُ وَالْكِلَلُ
فَأَفْصَحَ الْقَبْرُ عَنْهُمْ حِينَ سَاءَلَهُمْ ... تَلْكَ الْوُجُوهُ عَلَيْهَا الدُّودُ يَقْتَتِلُ
قَدْ طَالَ مَا أَكَلُوا دَهْرًا وَمَا لبسوا ... فَأَصْبَحُوا بَعْدَ طُولِ الْأَكْلِ قَدْ أُكِلُوا
قَالَ: فَبَكَى الْمُتَوَكِّلُ حَتَّى بَلَّ الثَّرَى، وَبَكَى مَنْ حَوْلَهُ بِحَضْرَتِهِ، وَأَمَرَ بِرَفْعِ الشَّرَابِ وَأَمَرَ لَهُ بأربعة آلاف دينار، وتحلل منه ورده إلى منزله مكرما رحمه الله.
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ
فِيهَا كَانَتْ وَقْعَةٌ بَيْنَ مُفْلِحٍ وَبَيْنَ الْحَسَنِ بْنِ زَيْدٍ الطَّالِبِيِّ فَهَزَمَهُ مُفْلِحٌ وَدَخَلَ آمُلَ طَبَرِسْتَانَ وَحَرَقَ مَنَازِلَ الْحَسَنِ بْنِ زَيْدٍ ثُمَّ سَارَ وَرَاءَهُ إِلَى الدَّيْلَمِ. وَفِيهَا كَانَتْ مُحَارَبَةٌ شَدِيدَةٌ بَيْنَ يَعْقُوبَ بْنِ اللَّيْثِ وَبَيْنَ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ قُرَيْشِ بْنِ شِبْلٍ، فَبَعَثَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ رَجُلًا مِنْ جِهَتِهِ يُقَالُ لَهُ طَوْقُ بْنُ الْمُغَلِّسِ، فَصَابَرَهُ أَكْثَرَ مِنْ شَهْرٍ ثم ظفر يعقوب بطوق فأسره فأسر وجوه أصحابه، ثم سار إلى على ابن الحسين هذا فأسره وَأَخَذَ بِلَادَهُ- وَهِيَ كَرْمَانُ- فَأَضَافَهَا إِلَى مَا بيده من مملكة خراسان سِجِسْتَانَ: ثُمَّ بَعَثَ يَعْقُوبُ بْنُ اللَّيْثِ بِهَدِيَّةٍ سنية إلى المعتز: دواب وبازات وَثِيَابٍ فَاخِرَةٍ. وَفِيهَا وَلَّى الْخَلِيفَةُ سُلَيْمَانَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاهِرٍ نِيَابَةَ بَغْدَادَ وَالسَّوَادِ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ مِنْهَا. وَفِيهَا أَخَذَ صَالِحُ ابن وَصِيفٍ أَحْمَدَ بْنَ إِسْرَائِيلَ كَاتِبَ الْمُعْتَزِّ وَالْحَسَنَ بْنَ مَخْلَدٍ كَاتِبَ قَبِيحَةَ أَمِّ الْمُعْتَزِّ وَأَبَا نوح عيسى