للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إياس فأعلمه، ثم جاء ذلك الرجل من الغد رجاء أن يودع فانتهره إياس وطرده وقال له: أنت خائن.

وتحاكم إليه اثنان في جارية فادعى المشترى أنها ضعيفة العقل، فقال لها إياس: أي رجليك أطول؟ فقالت: هذه. فقال لها: أتذكرين ليلة ولدت؟ فقالت نعم. فقال للبائع رد رد.

وروى ابن عساكر أن إياسا سمع صوت امرأة من بيتها فقال: هذه امرأة حامل بصبي، فلما ولدت ولدت كما قال، فسئل بم عرفت ذلك؟ قال: سمعت صوتها ونفسها معه فعلمت أنها حامل، وفي صوتها ضحل فعلمت أنه غلام. قالوا ثم مر يوما ببعض المكاتب فإذا صبي هنالك فقال: إن كنت أدرى شيئا فهذا الصبى ابن تلك المرأة، فإذا هو ابنها. وقال مالك عن الزهري عن أبى بكر قال شهد رجل عند إياس فقال له: ما اسمك؟ فقال أبو العنفر فلم يقبل شهادته. وقال الثوري عن الأعمش:

دعوني إلى إياس فإذا رجل كلما فرغ من حديث أخذ في آخر. وقال إياس: كل رجل لا يعرف عيب نفسه فهو أحمق، فقيل له: ما عيبك؟ فقال كثرة الكلام. قالوا: ولما ماتت أمه بكى عليها فقيل له في ذلك فقال: كان لي بابان مفتوحان إلى الجنة فغلق أحدهما. وقال له أبوه: إن الناس يلدون أبناء وولدت أنا أبا. وكان أصحابه يجلسون حوله ويكتبون عنه الفراسة، فبينما هم حوله جلوس إذ نظر إلى رجل قد جاء فجلس على دكة حانوت، وجعل كلما مر أحد ينظر إليه، ثم قام فنظر في وجه رجل ثم عاد، فقال لأصحابه: هذا فقيه كتاب قد أبق له غلام أعور فهو يتطلبه، فقاموا إلى ذلك الرجل فسألوه فوجدوه كما قال إياس، فقالوا لا ياس: من أين عرفت ذلك؟ فقال: لما جلس على دكة الحانوت علمت أنه ذو ولاية، ثم نظرت فإذا هو لا يصلح إلا لفقهاء المكتب، ثم جعل ينظر إلى كل من مر به فعرفت أنه قد فقد غلاما، ثم لما قام فنظر إلى وجه ذلك الرجل من الجانب الآخر، عرفت أن غلامه أعور. وقد أورد ابن خلكان أشياء كثيرة في ترجمته، من ذلك أنه شهد عنده رجل في بستان فقال له: كم عدد أشجاره؟ فقال له: كم عدد جذوع هذا المجلس الّذي أنت فيه من مدة سنين؟ فقلت: لا أدرى وأقررت شهادته.

[ثم دخلت سنة ثلاث وعشرين ومائة]

ذكر المدائني عن شيوخه أن خاقان ملك الترك لما قتل في ولاية أسد بن عبد الله القسري على خراسان، تفرق شمل الأتراك، وجعل بعضهم يغير على بعض، وبعضهم يقتل بعضا، حتى كادت أن تخرب بلادهم، واشتغلوا عن المسلمين. وفيها سأل أهل الصغد من أمير خراسان نصر بن سيار أن يردهم إلى بلادهم، وسألوه شروطا أنكرها العلماء، منها أن لا يعاقب من ارتد منهم عن الإسلام، ولا يؤخذ أسير المسلمين منهم، وغير ذلك، فأراد أن يوافقهم على ذلك لشدة نكايتهم في المسلمين، فعاب عليه الناس ذلك، فكتب إلى هشام في ذلك فتوقف، ثم لما رأى أن هؤلاء إذا استمروا على

<<  <  ج: ص:  >  >>