يأتيهما، فقال القاسم لعدي: والله الّذي لا إله إلا هو إن إياسا أفضل منى وأفقه منى، وأعلم بالقضاء، فان كنت صادقا فوله، وإن كنت كاذبا فما ينبغي أن تولى كاذبا القضاء. فقال إياس: هذا رجل أوقف على شفير جهنم فافتدى منها بيمين كاذبة يستغفر الله، فقال عدي: أما إذا فطنت إلى هذا فقد وليتك القضاء. فمكث سنة يفصل بين الناس ويصلح بينهم، وإذا تبين له الحق حكم به، ثم هرب إلى عمر بن عبد العزيز بدمشق فاستعفاه القضاء، فولى عدي بعده الحسن البصري.
قالوا: لما تولى إياس القضاء بالبصرة فرح به العلماء حتى قال أيوب: لقد رموها بحجرها، وجاءه الحسن وابن سيرين فسلما عليه، فبكى إياس وذكر
الحديث «القضاة ثلاثة، قاضيان في النار وواحد في الجنة». فقال الحسن ﴿وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ﴾ إلى قوله ﴿وَكُلاًّ آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً﴾ قالوا: ثم جلس للناس في المسجد واجتمع عليه الناس للخصومات، فما قام حتى فصل سبعين قضية، حتى كان يشبه بشريح القاضي. وروى أنه كان إذا أشكل عليه شيء بعث إلى محمد بن سيرين فسأله منه. وقال إياس: إني لأكلم الناس بنصف عقلي، فإذا اختصم إلى اثنان جمعت لهما عقلي كله. وقال له رجل: إنك لتعجب برأيك، فقال: لولا ذلك لم أقض به، وقال له آخر: إن فيك خصالا لا تعجبني، فقال: ما هي؟ فقال: تحكم قبل أن تفهم، ولا تجالس كل أحد، وتلبس الثياب الغليظة. فقال له: أيها أكثر الثلاثة أو الاثنان؟ قال: الثلاثة. فقال: ما أسرع ما فهمت وأجبت، فقال أو يجهل هذا أحد؟ فقال: وكذلك ما أحكم أنا به، وأما مجالستي لكل أحد فلأن أجلس مع من يعرف لي قدري أحب إلى من أن أجلس مع من لا يعرف لي قدري، وأما الثياب الغلاظ فأنا ألبس منها ما يقيني لا ما أقيه أنا. قالوا، وتحاكم إليه اثنان فادعى أحدهما عند الآخر مالا، وجحده الآخر، فقال إياس للمودع: أين أودعته؟ قال: عند شجرة في بستان. فقال: انطلق إليها فقف عندها لعلك تتذكر، وفي رواية أنه قال له: هل تستطيع أن تذهب إليها فتأتى بورق منها؟ قال: نعم! قال فانطلق، وجلس الآخر فجعل إياس يحكم بين الناس ويلاحظه، ثم استدعاه فقال له: أوصل صاحبك بعد إلى المكان؟ فقال: لا بعد أصلحك الله. فقال له: قم يا عدو الله فأد إليه حقه، وإلا جعلتك نكالا. وجاء ذلك الرجل فقام معه فدفع إليه وديعته بكمالها. وجاء آخر فقال له: إني أودعت عند فلان مالا وقد جحدنى، فقال له: اذهب الآن وائتني غدا. وبعث من فوره إلى ذلك الرجل الجاحد فقال له: إنه قد اجتمع عندنا هاهنا مال فلم نر له أمينا نضعه عنده إلا أنت، فضعه عندك في مكان حريز. فقال له سمعا وطاعة، فقال له اذهب الآن وائتني غدا، وأصبح ذلك الرجل صاحب الحق فجاء فقال له: اذهب الآن إليه فقل له أعطني حقي وإلا رفعتك إلى القاضي، فقال له ذلك فخاف أن لا يودع إذا سمع الحاكم خبره، فدفع إليه ماله بكماله، فجاء إلى