والبر، وبلغ من العمر خمسا وتسعين سنة، وأعد لنفسه قبرا وكفنا قبل موته بخمس سنين.
[أبو سعد المتولي]
عبد الرحمن بن المأمون بن على أبو سعد المتولي: مصنف التتمة، ومدرس الظامية بعد أبى إسحاق الشيرازي، وكان فصيحا بليغا، ماهرا بعلوم كثيرة، كانت وفاته في شوال من هذه السنة وله ستة وخمسون سنة، ﵀ وإيانا، وصلى عليه القاضي أبو بكر الشاشي.
[إمام الحرمين]
عبد الملك بن [الشيخ أبى محمد] عبد الله بن يوسف بن عبد الله بن يوسف بن محمد بن حيويه، أبو المعالي الجويني، وجوين من قرى نيسابور، الملقب بإمام الحرمين، لمجاورته بمكة أربع سنين، كان مولده في تسع عشرة وأربعمائة، سمع الحديث وتفقه على والده الشيخ أبى محمد الجويني، ودرس بعده في حلقته، وتفقه على القاضي حسين، ودخل بغداد وتفقه بها، وروى الحديث وخرج إلى مكة فجاور فيها أربع سنين، ثم عاد إلى نيسابور فسلم إليه التدريس والخطابة والوعظ، وصنف نهاية المطلب في دراية المذهب، والبرهان في أصول الفقه، وغير ذلك في علوم شتى، واشتغل عليه الطلبة ورحلوا إليه من الأقطار، وكان يحضر مجلسه ثلاثمائة متفقه، وقد استقصيت ترجمته في الطبقات، وكانت وفاته في الخامس والعشرين من ربيع الأول من هذه السنة، عن سبع وخمسين سنة، ودفن بداره ثم نقل إلى جانب والده. قال ابن خلكان: كانت أمه جارية اشتراها والده من كسب يده من النسخ، وأمرها أن لا تدع أحدا يرضعه غيرها، فاتفق أن امرأة دخلت عليها فأرضعته مرة فأخذه الشيخ أبو محمد فنكسه ووضع يده على بطنه ووضع إصبعه في حلقه ولم يزل به حتى قاء ما في بطنه من لبن تلك المرأة. قال: وكان إمام الحرمين ربما حصل له في مجلسه في المناظرة فتور ووقفة فيقول: هذا من آثار تلك الرضعة. قال: ولما عاد من الحجاز إلى بلده نيسابور سلم إليه المحراب والخطابة والتدريس ومجلس التذكير يوم الجمعة، وبقي ثلاثين سنة غير مزاحم ولا مدافع، وصنف في كل فن، وله النهاية التي ما صنف في الإسلام مثلها. قال الحافظ أبو جعفر: سمعت الشيخ أبا إسحاق الشيرازي يقول لإمام الحرمين: يا مفيد أهل المشرق والمغرب، أنت اليوم إمام الأئمة. ومن تصانيفه الشامل في أصول الدين، والبرهان في أصول الفقه، وتلخيص التقريب، والإرشاد، والعقيدة النظامية، وغياث الأمم (١) وغير ذلك مما سماه ولم يتمه. وصلى عليه ولده أبو القاسم وغلقت الأسواق وكسر تلاميذه أقلامهم - وكانوا أربعمائة - ومحابرهم، ومكثوا كذلك سنة، وقد رثى بمراثي كثيرة فمن ذلك قول بعضهم:
(١) عدّ ابن خلكان من تصانيف إمام الحرمين «مغيث الخلق في اختيار الحق» ولكن لو كان هذا الكتاب من مؤلفاته لذكره ابن كثير وهو متأخر عن ابن خلكان. فهذا الكتاب مدسوس على إمام الحرمين