للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حاشا لمجدك أن تقنط عَاصِيًا ... الْفَضْلُ أَجْزَلُ وَالْمَوَاهِبُ أَوْسَعُ

ثُمَّ دَخَلَتْ سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة

فِي ثَانِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ مِنْهَا كَانَ دُخُولُ الناصر دمشق بعد عافيته، وزار القاضي الفاضل، واستشاره، وكان لا يقطع أمرا دونه، وقرر في نيابة دمشق ولده الأفضل على، ونزل أبو بكر العادل عَنْ حَلَبَ لِصِهْرِهِ زَوْجِ ابْنَتِهِ الْمَلِكِ الظَّاهِرِ غازى بن الناصر، وَأَرْسَلَ السُّلْطَانُ أَخَاهُ الْعَادِلَ صُحْبَةَ وَلَدِهِ عِمَادِ الدِّينِ عُثْمَانَ الْمَلِكِ الْعَزِيزِ عَلَى مُلْكِ مِصْرَ، ويكون الملك العادل أنابكه، وله إقطاع كبيرة جدا، وعزل عن نيابتها تَقِيَّ الدِّينِ عُمَرَ، فَعَزَمَ عَلَى الدُّخُولِ إِلَى إفريقية، فلم يزل الناصر يتلطف بِهِ وَيَتَرَفَّقُ لَهُ حَتَّى أَقْبَلَ بِجُنُودِهِ نَحْوَهُ، فأكرمه واحترمه وَأَقْطَعُهُ حَمَاةَ وَبِلَادًا كَثِيرَةً مَعَهَا، وَقَدْ كَانَتْ له قبل ذلك، وزاد له على ذلك مدينة ميافارقين، وامتدحه العماد بقصيدة ذكرها في الروضتين.

وفيها هادن قومس طَرَابُلُسَ السُّلْطَانَ وَصَالَحَهُ وَصَافَاهُ، حَتَّى كَانَ يُقَاتِلُ ملوك الفرنج أشد القتال وسبى منهم النساء والصبيان، وكاد أن يسلم ولكن صده السلطان فمات على الكفر والطغيان، وكانت مصالحته من أقوى أسباب النصر عَلَى الْفِرِنْجِ، وَمِنْ أَشَدِّ مَا دَخَلَ عَلَيْهِمْ في دينهم. قال العماد الكاتب: وأجمع المنجمون على خراب العالم في شعبان، لأن الكواكب الستة تجتمع فيه في الميزان، فيكون طوفان الرِّيحِ فِي سَائِرِ الْبُلْدَانِ، وَذَكَرَ أَنَّ نَاسًا من الجهلة تأهبوا لذلك بحفر مغارات في الجبال ومدّ خلات وَأَسْرَابٍ فِي الْأَرْضِ خَوْفًا مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: فَلَمَّا كَانَتْ تِلْكَ اللَّيْلَةُ الَّتِي أَشَارُوا إِلَيْهَا وَأَجْمَعُوا عَلَيْهَا لَمْ يُرَ لَيْلَةٌ مِثْلُهَا فِي سكونها وركودها وهدوئها، وقد ذكر ذلك غير واحد من الناس في سائر أقطار الأرض، وَقَدْ نَظَمَ الشُّعَرَاءُ فِي تَكْذِيبِ الْمُنَجِّمِينَ فِي هذه الواقعة وغريبها أشعارا كثيرة حسنة منها:

مزق التقويم والزيج فقد بان الخطا ... إنما التقويم والزيج هباء وهوا

قلت للسبعة إبرام ومنع وعطا ... ومتى ينزلن في الميزان يستولى الهوا

ويثور الرمل حتى يمتلى منه الصفا ... ويعم الأرض رجف وخراب وبلى

ويصير القاع كالقف وكالطود العدا ... وحكمتم فأبى الحاكم إلا ما يشا

ما أتى الشرع ولا جاءت بهذا الأنبيا ... فبقيتم ضحكة يضحك منها العلما

حسبكم خزيا وعارا ما يقول الشعرا ... ما أطمعكم في الحكم إلا الأمرا

ليت إذ لم يحسنوا في الدين طغاما أسا ... فعلى اصطرلاب بطليموس والزيج العفا

وعليه الخزي ما جاءت على الأرض السما

وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ.

أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الْوَحْشِ

بَرِّيُّ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ بَرِّيٍّ الْمَقْدِسِيُّ ثُمَّ الْمِصْرِيُّ، أحد أئمة اللغة والنحو في زمانه، وكان عليه

<<  <  ج: ص:  >  >>