للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بمصر فرحة وتعظيما لشأنها، ثُمَّ سَارُوا بِهَا إِلَى الْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ، وَفِي شَوَّالٍ سَارَ الظَّاهِرُ إِلَى الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ فَنَظَرَ فِي أَحْوَالِهَا وَأُمُورِهَا، وَعَزَلَ قَاضِيَهَا وَخَطِيبَهَا نَاصِرَ الدِّينِ أَحْمَدَ بْنَ الْمُنِيرِ وَوَلَّى غَيْرَهُ.

وَفِيهَا الْتَقَى بركه خان وهولاكو وَمَعَ كُلِّ وَاحِدٍ جُيُوشٌ كَثِيرَةٌ فَاقْتَتَلُوا فَهُزِمَ الله هُولَاكُو هَزِيمَةً فَظِيعَةً وَقُتِلَ أَكْثَرُ أَصْحَابِهِ وَغَرِقَ أَكْثَرُ مَنْ بَقِيَ وَهَرَبَ هُوَ فِي شِرْذِمَةٍ يسيرة وللَّه الحمد. ولما نظر بركه خان كَثْرَةِ الْقَتْلَى قَالَ يَعِزُّ عَلَيَّ أَنْ يَقْتُلَ الْمَغُولُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَلَكِنْ كَيْفَ الْحِيلَةُ فِيمَنْ غير سنة جنكيزخان ثُمَّ أَغَارَ بَرَكَةُ خَانَ عَلَى بِلَادِ الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ فَصَانَعَهُ صَاحِبُهَا وَأَرْسَلَ الظَّاهِرُ هَدَايَا عَظِيمَةً إِلَى بركه خان، وقد أقام التركي بِحَلَبَ خَلِيفَةً آخَرَ لَقَّبَهُ بِالْحَاكِمِ، فَلَمَّا اجْتَازَ بِهِ الْمُسْتَنْصِرُ سَارَ مَعَهُ إِلَى الْعِرَاقِ وَاتَّفَقَا على المصلحة وإنفاذ الحاكم المستنصر لكونه أكبر منه وللَّه الحمد، ولكن خرج عليهما طَائِفَةٌ مِنَ التَّتَارِ فَفَرَّقُوا شَمْلَهُمَا وَقَتَلُوا خَلْقًا مِمَّنْ كَانَ مَعَهُمَا، وَعُدِمَ الْمُسْتَنْصِرُ وَهَرَبَ الْحَاكِمُ مع الأعراب. وَقَدْ كَانَ الْمُسْتَنْصِرُ هَذَا فَتَحَ بُلْدَانًا كَثِيرَةً في مسيره من الشام إِلَى الْعِرَاقِ، وَلَمَّا قَاتَلَهُ بَهَادُرُ عَلَى شِحْنَةِ بَغْدَادَ كَسَرَهُ الْمُسْتَنْصِرُ وَقَتَلَ أَكْثَرَ أَصْحَابِهِ، وَلَكِنْ خرج كمين من التتار نجدة فَهَرَبَ الْعُرْبَانُ وَالْأَكْرَادُ الَّذِينَ كَانُوا مَعَ الْمُسْتَنْصِرِ وَثَبَتَ هُوَ فِي طَائِفَةٍ مِمَّنْ كَانَ مَعَهُ من الترك فقتل أكثرهم وفقد هو من بينهم، ونجا الحاكم في طائفة، وكانت الوقعة فِي أَوَّلِ الْمُحَرَّمِ مِنْ سَنَةِ سِتِّينَ وَسِتِّمِائَةٍ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي أَشْبَهَ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ فِي تَوَغُّلِهِ فِي أَرْضِ الْعِرَاقِ مَعَ كَثْرَةِ جنودها، وكان الأولى له أن يستقر في بلاد الشام حتى تتمهد له الأمور ويصفو الحال، وَلَكِنْ قَدَّرَ اللَّهُ وَمَا شَاءَ فَعَلَ. وَجَهَّزَ السُّلْطَانُ جَيْشًا آخَرَ مَنْ دِمَشْقَ إِلَى بِلَادِ الْفِرِنْجِ فَأَغَارُوا وَقَتَلُوا وَسَبَوْا وَرَجَعُوا سَالِمِينَ، وَطَلَبَتِ الفرنج منه المصالحة فَصَالَحَهُمْ مُدَّةً لِاشْتِغَالِهِ بِحَلَبَ وَأَعْمَالِهَا، وَكَانَ قَدْ عزل في شوال قاضى مصر تاج الدين ابْنَ بِنْتِ الْأَعَزِّ وَوَلَّى عَلَيْهَا بُرْهَانَ الدِّينِ الخضر بن الحسين السِّنْجَارِيَّ، وَعَزَلَ قَاضِي دِمَشْقَ نَجْمَ الدِّينِ أَبَا بكر بن صدر الدين أحمد ابن شمس الدين بْنِ هِبَةِ اللَّهِ بْنِ سَنِيِّ الدَّوْلَةِ، وَوَلَّى عليها شَمْسَ الدِّينِ أَحْمَدَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ خَلِّكَانَ، وَقَدْ نَابَ فِي الْحُكْمِ بِالْقَاهِرَةِ مُدَّةً طَوِيلَةً عَنْ بَدْرِ الدين السنجاري، وأضاف إِلَيْهِ مَعَ الْقَضَاءِ نَظَرَ الْأَوْقَافِ، وَالْجَامِعِ وَالْمَارَسْتَانَ، وتدريس سبع مدارس، العادلية والناصرية والغدراوية وَالْفَلَكِيَّةِ وَالرُّكْنِيَّةِ وَالْإِقْبَالِيَّةِ وَالْبَهْنَسِيَّةِ، وَقُرِئَ تَقْلِيدُهُ يَوْمَ عَرَفَةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ بِالشُّبَّاكِ الْكَمَالِيِّ مِنْ جَامِعِ دِمَشْقَ، وَسَافَرَ الْقَاضِي الْمَعْزُولُ مُرَسَّمًا عَلَيْهِ. وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ الشَّيْخُ أَبُو شَامَةَ وَذَكَرَ أَنَّهُ خَانَ فِي وَدِيعَةِ ذَهَبٍ جَعَلَهَا فُلُوسًا فاللَّه أَعْلَمُ، وَكَانَتْ مُدَّةُ وِلَايَتِهِ سَنَةً وَأَشْهُرًا. وَفِي يَوْمِ الْعِيدِ يَوْمَ السَّبْتِ سَافَرَ السلطان إلى مصر، وَقَدْ كَانَ رَسُولُ الْإِسْمَاعِيلِيَّةِ قَدِمَ عَلَى السُّلْطَانِ بدمشق يتهددونه ويتوعدونه، ويطلبون منه إقطاعات كثيرة، فلم يزل السلطان يُوقِعُ بَيْنَهُمْ حَتَّى اسْتَأْصَلَ شَأْفَتَهُمْ وَاسْتَوْلَى عَلَى بلادهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>