ﷺ فقال بعضهم مات! وقال بعضهم لم يمت وضعت أسماء بنت عميس يدها بين كتفي رسول الله ﷺ. فقالت: قد توفى رسول الله ﷺ وقد رفع الخاتم من بين كتفيه فكان هذا الّذي قد عرف به موته هكذا أورده الحافظ البيهقي في كتابه دلائل النبوة من طريق الواقدي وهو ضعيف وشيوخه لم يسمون ثم هو منقطع بكل حال ومخالف لما صح وفيه غرابة شديدة وهو رفع الخاتم فالله أعلم بالصواب. وقد ذكر الواقدي وغيره في الوفاة أخبارا كثيرة فيها نكارات وغرابة شديدة أضربنا عن أكثرها صفحا لضعف أسانيدها ونكارة متونها ولا سيما ما يورده كثير من القصاص المتأخرين وغيرهم فكثير منه موضوع لا محالة وفي الأحاديث الصحيحة والحسنة المروية في الكتب المشهورة غنية عن الأكاذيب وما لا يعرف سنده والله أعلم.
[فصل في ذكر أمور مهمة وقعت بعد وفاته ﷺ وقبل دفنه]
ومن أعظمها وأجلها وأيمنها بركة على الإسلام وأهله بيعة أبى بكر الصديق ﵁ وذلك لأنه ﵊ لما مات كان الصديق ﵁ قد صلى بالمسلمين صلاة الصبح وكان إذ ذاك قد أفاق رسول الله ﷺ افاقة من غمرة ما كان فيه من الوجع وكشف ستر الحجرة ونظر الى المسلمين وهم صفوف في الصلاة خلف أبى بكر فأعجبه ذلك وتبسم صلوات الله وسلامه عليه حتى هم المسلمون أن يتركوا ما هم فيه من الصلاة لفرحهم به وحتى أراد أبو بكر أن يتأخر ليصل الصف فأشار اليهم أن يمكثوا كما هم وأرخى الستارة وكان آخر العهد به ﵊ فلما انصرف أبو بكر ﵁ من الصلاة دخل عليه وقال لعائشة ما أرى رسول الله ﷺ إلا قد أقلع عنه الوجع وهذا يوم بنت خارجة يعنى إحدى زوجتيه وكانت ساكنة بالسنح شرقى المدينة فركب على فرس له وذهب الى منزله وتوفى رسول الله ﷺ حين اشتد الضحى من ذلك اليوم وقيل عند زوال الشمس والله أعلم.
فلما مات واختلف الصحابة فيما بينهم فمن قائل يقول مات رسول الله ﷺ ومن قائل لم يمت فذهب سالم بن عبيد وراء الصديق الى السنح فاعلمه بموت رسول الله ﷺ فجاء الصديق من منزله حين بلغه الخبر فدخل على رسول الله ﷺ منزله وكشف الغطاء عن وجهه وقبله وتحقق أنه قد مات خرج الى الناس فخطبهم الى جانب المنبر وبين لهم وفاة رسول الله ﷺ كما قدمنا وأزاح الجدل وأزال الأشكال ورجع الناس كلهم اليه وبايعه في المسجد جماعة من الصحابة ووقعت شبهة لبعض الأنصار وقام في أذهان بعضهم جواز استخلاف خليفة من الأنصار وتوسط بعضهم بين أن يكون أمير من المهاجرين وأمير من الأنصار حتى بين لهم الصديق أن الخلافة لا تكون إلا في قريش فرجعوا اليه وأجمعوا عليه كما سنبينه وننبه عليه.