للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الساماني أمير خراسان وما وراء النهر، وَقَدْ كَانَ عَاقِلًا عَادِلًا حَسَنَ السِّيرَةِ فِي رعيته حليما كريما، وَهُوَ الَّذِي كَانَ يُحْسِنُ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرً الْمَرْوَزِيِّ وَيُعَظِّمُهُ وَيُكْرِمُهُ وَيَحْتَرِمُهُ وَيَقُومُ لَهُ في مجلس ملكه، فلما مات تولى بَعْدَهُ وَلَدُهُ أَحْمَدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَحْمَدَ الساماني وبعث إليه الخليفة تشريفة. وقد ذكر الناس يوما عند إسماعيل بن أحمد هذا الفخر بالأنساب فقال: إنما الفخر بالأعمال وينبغي أَنْ يَكُونَ الْإِنْسَانُ عِصَامِيًّا لَا عِظَامِيًّا- أَيْ يَنْبَغِي أَنْ يَفْتَخِرَ بِنَفْسِهِ لَا بِنَسَبِهِ وَبَلَدِهِ وجده- كما قال بعضهم: ويجدي سموت لا يجدوى وَقَالَ آخَرُ:

حَسْبِي فَخَارًا وَشِيمَتِي أَدَبِي ... وَلَسْتُ مِنْ هَاشِمٍ وَلَا الْعَرَبِ

إِنَّ الْفَتَى مَنْ يقول ها أنا ذا ... وليس الْفَتَى مَنْ يَقُولُ كَانَ أَبِي

وَفِي ذِي الْقَعْدَةِ مِنْهَا كَانَتْ.

وَفَاةُ الْخَلِيفَةِ الْمُكْتَفِي باللَّه

(أبو محمد بن المعتضد وهذه ترجمته وذكر وفاته) وهو أمير المؤمنين المكتفي باللَّه بْنِ الْمُعْتَضِدِ بْنِ الْأَمِيرِ أَبِي أَحْمَدَ الموفق بن المتوكل على اللَّهُ، وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الْخُلَفَاءِ مَنِ اسْمُهُ عَلِيٌّ سِوَاهُ بَعْدَ عَلِيِّ بْنِ أبى طالب، وليس مِنَ الْخُلَفَاءِ مَنْ يُكَنَّى بِأَبِي مُحَمَّدٍ سِوَى الحسن بن على بن أبى طالب وهو، وكان مولده في رجب سَنَةِ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ، وَبُويِعَ لَهُ بِالْخِلَافَةِ بعد أبيه وفي حياته يوم الجمعة لإحدى عشرة ليلة بَقِيَتْ مِنْ رَبِيعٍ الْآخَرِ سَنَةَ تِسْعٍ وَثَمَانِينَ ومائتين، وعمره نحوا مِنْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً، وَكَانَ رَبْعَةً مِنَ الرجال جميلا رقيق الوجه حَسَنَ الشِّعْرِ، وَافِرَ اللِّحْيَةِ عَرِيضَهَا. وَلَمَّا مَاتَ أبوه المعتضد وولى هو الْخِلَافَةِ دَخَلَ عَلَيْهِ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ فَأَنْشَدَهُ:

أَجَلُّ الرَّزَايَا أَنْ يَمُوتَ إِمَامٌ ... وَأَسْنَى الْعَطَايَا أَنْ يقوم إمام

فأسقى الّذي مات الغمام وجوده ... وَدَامَتْ تَحِيَّاتٌ لَهُ وَسَلَامُ

وَأَبْقَى الَّذِي قَامَ الْإِلَهُ وَزَادَهُ ... مَوَاهِبَ لَا يَفْنَى لَهُنَّ دَوَامُ

وَتَمَّتْ لَهُ الْآمَالُ وَاتَّصَلَتْ بِهَا ... فَوَائِدُ مَوْصُولٌ بِهِنَّ تَمَامُ

هُوَ الْمُكْتَفِي باللَّه يَكْفِيهِ كُلَّمَا ... عَنَاهُ بِرُكْنٍ مِنْهُ لَيْسَ يُرَامُ

فَأَمَرَ لَهُ بِجَائِزَةٍ سَنِيَّةٍ [وَقَدْ كَانَ يَقُولُ الشِّعْرَ، فَمِنْ ذلك قوله:

من لي بأن أعلم ما ألقى ... فتعرف منى الصبابة وَالْعِشْقَا

مَا زَالَ لِي عَبْدًا وَحُبِّي لَهُ ... صَيَّرَنِي عَبْدًا لَهُ رِقَّا

الْعِتْقُ مِنْ شَأْنِي ولكنني ... من حبه لا أملك العتقا

] [١]


[١] زيادة من المصرية.

<<  <  ج: ص:  >  >>