قتل أمير التتر الكبير قطلو شاه، فَاشْتَدَّ غَضَبُ خَرْبَنْدَا عَلَى أَهْلِ كِيلَانَ، وَلَكِنَّهُ فرح بقتل قطلو شاه فَإِنَّهُ كَانَ يُرِيدُ قَتْلَ خَرْبَنْدَا فَكُفِيَ أَمْرَهُ عنهم، ثُمَّ قُتِلَ بَعْدَهُ بُولَايْ. ثُمَّ إِنَّ مَلِكَ التتر أرسل الشيخ براق الَّذِي قَدِمَ الشَّامَ فِيمَا تَقَدَّمَ إِلَى أَهْلِ كِيلَانَ يُبْلِغُهُمْ عَنْهُ رِسَالَةً فَقَتَلُوهُ وَأَرَاحُوا النَّاسَ مِنْهُ، وَبِلَادُهُمْ مَنْ أَحْصَنِ الْبِلَادِ وَأَطْيَبِهَا لَا تُسْتَطَاعُ، وَهُمْ أَهْلُ سُنَّةٍ وَأَكْثَرُهُمْ حَنَابِلَةٌ لَا يَسْتَطِيعُ مُبْتَدِعٌ أَنْ يَسْكُنَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ.
وَفِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ رَابِعَ عَشَرَ صَفَرٍ اجْتَمَعَ قَاضِي الْقُضَاةِ بَدْرُ الدِّينِ بْنُ جَمَاعَةَ بِالشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ فِي دَارِ الْأَوْحَدِيِّ مِنْ قَلْعَةِ الْجَبَلِ، وَطَالَ بَيْنَهُمَا الْكَلَامُ ثُمَّ تَفَرَّقَا قَبْلَ الصَّلَاةِ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ مُصَمِّمٌ عَلَى عَدَمِ الْخُرُوجِ مِنَ السِّجْنِ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ الثَّالِثِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ جَاءَ الْأَمِيرُ حُسَامُ الدِّينِ مُهَنَّا بْنُ عِيسَى مَلِكُ الْعَرَبِ إِلَى السِّجْنِ بِنَفْسِهِ وَأَقْسَمَ عَلَى الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ لَيَخْرُجَنَّ إِلَيْهِ، فَلَمَّا خَرَجَ أَقْسَمَ عَلَيْهِ لَيَأْتِيَنَّ مَعَهُ إِلَى دَارِ سَلَّارَ، فَاجْتَمَعَ بِهِ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ بِدَارِ سَلَّارَ وَجَرَتْ بَيْنَهُمْ بُحُوثٌ كَثِيرَةٌ. ثُمَّ فَرَّقَتْ بَيْنَهُمُ الصَّلَاةُ، ثُمَّ اجْتَمَعُوا إِلَى الْمَغْرِبِ وَبَاتَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ عِنْدَ سَلَّارَ، ثُمَّ اجْتَمَعُوا يَوْمَ الْأَحَدِ بِمَرْسُومِ السُّلْطَانِ جَمِيعَ النَّهَارِ، وَلَمْ يَحْضُرْ أَحَدٌ مِنَ الْقُضَاةِ بَلِ اجْتَمَعَ مِنَ الْفُقَهَاءِ خَلْقٌ كَثِيرٌ، أَكْثَرُ مِنْ كُلِّ يَوْمٍ، مِنْهُمُ الْفَقِيهُ نَجْمُ الدين بن رفع وعلاء الدين التاجي، وَفَخْرُ الدِّينِ بْنُ بِنْتِ أَبِي سَعْدٍ، وَعِزُّ الدين النمراوى، وشمس الدين بن عدنان وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَطَلَبُوا الْقُضَاةَ فَاعْتَذَرُوا بِأَعْذَارٍ، بَعْضُهُمْ بِالْمَرَضِ، وَبَعْضُهُمْ بِغَيْرِهِ، لِمَعْرِفَتِهِمْ بِمَا ابْنُ تيمية منطوى عَلَيْهِ مِنَ الْعُلُومِ وَالْأَدِلَّةِ، وَأَنَّ أَحَدًا مِنَ الْحَاضِرِينَ لَا يُطِيقُهُ، فَقَبِلَ عُذْرَهُمْ نَائِبُ السَّلْطَنَةِ وَلَمْ يُكَلِّفْهُمُ الْحُضُورَ بَعْدَ أَنْ رَسَمَ السُّلْطَانُ بحضورهم أو بفصل الْمَجْلِسُ عَلَى خَيْرٍ، وَبَاتَ الشَّيْخُ عِنْدَ نَائِبِ السلطنة وجاء الْأَمِيرُ حُسَامُ الدِّينِ مُهَنَّا يُرِيدُ أَنْ يَسْتَصْحِبَ الشيخ تقى الدين معه إلى دمشق، فَأَشَارَ سَلَّارُ بِإِقَامَةِ الشَّيْخِ بِمِصْرَ عِنْدَهُ لِيَرَى النَّاسُ فَضْلَهُ وَعِلْمَهُ، وَيَنْتَفِعَ النَّاسُ بِهِ وَيَشْتَغِلُوا عَلَيْهِ. وَكَتَبَ الشَّيْخُ كِتَابًا إِلَى الشَّامِ يَتَضَمَّنُ مَا وَقَعَ لَهُ مِنَ الْأُمُورِ. قَالَ الْبِرْزَالِيُّ: وَفِي شَوَّالٍ مِنْهَا شَكَى الصُّوفِيَّةُ بِالْقَاهِرَةِ عَلَى الشيخ تقى الدين وكلموه فِي ابْنِ عَرَبِيٍّ وَغَيْرِهِ إِلَى الدَّوْلَةِ، فَرَدُّوا الْأَمْرَ فِي ذَلِكَ إِلَى الْقَاضِي الشَّافِعِيِّ، فَعُقِدَ لَهُ مَجْلِسٌ وَادَّعَى عَلَيْهِ ابْنُ عَطَاءٍ بِأَشْيَاءَ فَلَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِ مِنْهَا شَيْءٌ، لَكِنَّهُ قَالَ لا يستغاث إلا باللَّه، لا يستغاث بالنبيّ استغاثة بمعنى العبارة، وَلَكِنْ يُتَوَسَّلُ بِهِ وَيُتَشَفَّعُ بِهِ إِلَى اللَّهِ [١] فَبَعْضُ الْحَاضِرِينَ قَالَ لَيْسَ عَلَيْهِ فِي هَذَا شَيْءٌ، وَرَأَى الْقَاضِي بَدْرُ الدِّينِ بْنُ جَمَاعَةَ أَنَّ هَذَا فِيهِ قِلَّةُ أَدَبٍ، فَحَضَرَتْ رِسَالَةٌ إِلَى الْقَاضِي أَنْ يَعْمَلَ مَعَهُ مَا تَقْتَضِيهِ الشَّرِيعَةُ، فَقَالَ الْقَاضِي قَدْ قُلْتُ لَهُ مَا يُقَالُ لِمِثْلِهِ، ثُمَّ إِنَّ الدَّوْلَةَ خَيَّرُوهُ بَيْنَ أَشْيَاءَ إِمَّا أَنْ يَسِيرَ إِلَى دِمَشْقَ أَوِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ بِشُرُوطٍ أَوِ الْحَبْسِ، فَاخْتَارَ الْحَبْسَ فَدَخَلَ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ فِي السَّفَرِ إِلَى دِمَشْقَ مُلْتَزِمًا مَا شُرِطَ، فَأَجَابَ أَصْحَابَهُ إِلَى مَا اخْتَارُوا جبرا لخواطرهم، فركب خيل
[١] المعروف في كتب ابن تيمية وترجمته لابن عبد الهادي: أنه لا يجيز هذا. فليحرر.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute