فيها وقع حريق كثير في نواحي بغداد بسبب زنديق قتل فألقى من كان من جهته الحريق في أما كن كثيرة، فهلك بسبب ذلك خلق كثير من الناس. وفي جمادى الأولى منها قلد المقتدر مؤنس الخادم بلاد مصر والشام ولقبه المظفر. وأمر بكتب ذلك في المراسلات إلى الآفاق. وفي ذي القعدة منها أحضر أبو جعفر محمد بن جرير الطبري إلى دار الوزير عيسى بن على المناظرة الحنابلة في أشياء نقموها عليه، فلم يحضروا ولا واحد منهم. وفيها قدم الوزير حامد بن العباس للخليفة بستانا بناه وسماه الناعورة قيمته مائة ألف دينار، وفرش مساكنه بأنواع المفارش المفتخرة.
وفيها كان مقتل الحسين بن منصور الحلاج، ولنذكر شيئا من ترجمته وسيرته، وكيفية قتله على وجه الإيجاز وبيان المقصود بطريق الإنصاف والعدل، من غير تحمل ولا هوى ولا جور.
[وهذه نبذة من سيرته وأحواله وكشف سريرته وأقواله]
ونحن نعوذ بالله أن نقول عليه ما لم يكن قاله، أو نتحمل عليه في أقواله وأفعاله، فنقول: هو الحسين ابن منصور بن محمى الحلاج أبو مغيث، ويقال أبو عبد الله، كان جده مجوسيا اسمه محمى من أهل فارس من بلدة يقال لها البيضاء، ونشأ بواسط، ويقال بتستر، ودخل بغداد وتردد إلى مكة وجاور بها في وسط المسجد في البرد والحر، مكث على ذلك سنوات متفرقة، وكان يصابر نفسه ويجاهدها، ولا يجلس إلا تحت السماء في وسط المسجد الحرام، ولا يأكل إلا بعض قرص ويشرب قليلا من الماء معه وقت الفطور مدة سنة كاملة، وكان يجلس على صخرة في شدة الحر في جبل أبى قبيس، وقد صحب جماعة من سادات المشايخ الصوفية، كالجنيد بن محمد، وعمرو بن عثمان المكيّ، وأبى الحسين النوري. قال الخطيب البغدادي. والصوفية مختلفون فيه، فأكثرهم نفى أن يكون الحلاج منهم، وأبى أن يعده فيهم، وقبله من متقدميهم أبو العباس بن عطاء البغدادي، ومحمد بن خفيف الشيرازي، وإبراهيم بن محمد النصرآباذيّ النيسابورىّ، وصححوا له حاله، ودونوا كلامه، حتى قال ابن خفيف:
الحسين بن منصور عالم رباني. وقال أبو عبد الرحمن السلمي - واسمه محمد بن الحسين - سمعت إبراهيم ابن محمد النصرآباذيّ وعوتب في شيء حكى عن الحلاج في الروح فقال للذي عاتبه: إن كان بعد النبيين والصديقين موحد فهو الحلاج. قال أبو عبد الرحمن: وسمعت منصور بن عبد الله يقول سمعت الشبلي يقول: كنت أنا والحسين بن منصور شيئا واحدا، إلا أنه أظهر وكتمت. وقد روى عن الشبلي من وجه آخر أنه قال، وقد رأى الحلاج مصلوبا. ألم أنهك عن العالمين؟ قال الخطيب:
والذين نفوه من الصوفية نسبوه إلى الشعبذة في فعله، وإلى الزندقة في عقيدته وعقده. قال: وله إلى