للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَرَهُ، وَأَدَّى فِي زَمَانِهِ الزَّكَاةَ ثَلَاثَ سِنِينَ إِلَى عُمَّالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمِثْلُ هَذَا يُسَمِّيهِ أَئِمَّةُ الْحَدِيثِ مُخَضْرَمًا، وَهَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ فِي زَمَانِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَسَمِعَ مِنْهُ وَمِنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَخَلْقٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَصَحِبَ سَلْمَانَ الْفَارِسِيَّ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً حَتَّى دَفَنَهُ، وَرَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ وَغَيْرِهِمْ، مِنْهُمْ أَيُّوبُ، وَحُمَيْدٌ الطَّوِيلُ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ طَرْخَانَ التَّيْمِيُّ، وَقَالَ عَاصِمٌ الْأَحْوَلُ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: أَدْرَكْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَغُوثَ صَنَمًا مِنْ رَصَاصٍ يُحْمَلُ عَلَى جَمَلٍ أَجْرَدَ، فَإِذَا بَلَغَ وَادِيَا بَرَكَ فِيهِ فَيَقُولُونَ: قَدْ رِضَى رَبُّكُمْ لَكُمْ هَذَا الْوَادِيَ فَيَنْزِلُونَ فِيهِ، قَالَ: وَسَمِعْتُهُ وَقَدْ قِيلَ لَهُ أَدْرَكْتَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ! أَسْلَمْتُ عَلَى عَهْدِهِ، وَأَدَّيْتُ إِلَيْهِ الزَّكَاةَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَلَمْ أَلْقَهُ، وَشَهِدْتُ اليرموك والقادسية وجلولاء ونهاوند. كان أَبُو عُثْمَانَ صَوَّامًا قَوَّامًا، يَسْرُدُ الصَّوْمَ وَيَقُومُ اللَّيْلَ لَا يَتْرُكُهُ، وَكَانَ يُصَلِّي حَتَّى يُغْشَى عَلَيْهِ، وَحَجَّ سِتِّينَ مَرَّةً مَا بَيْنَ حِجَّةٍ وَعُمْرَةٍ، قَالَ سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ: إِنِّي لَأَحْسَبُهُ لَا يصيب ذنبا، لأنه لَيْلَهُ قَائِمًا وَنَهَارَهُ صَائِمًا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: سَمِعْتُ أَبَا عُثْمَانَ النَّهْدِيَّ يَقُولُ: أَتَتْ عَلَيَّ ثَلَاثُونَ وَمِائَةُ سَنَةٍ وَمَا مِنِّي شَيْءٌ إِلَّا وَقَدْ أَنْكَرْتُهُ خَلَا أَمَلِي فَإِنِّي أَجِدُهُ كَمَا هُوَ. وَقَالَ ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ. قَالَ: إني لأعلم حين يذكرني ربى عز وجل، قال فيقول: مِنْ أَيْنَ تَعْلَمُ ذَلِكَ؟ فَيَقُولُ قَالَ اللَّهُ تعالى فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ٢: ١٥٢ فَإِذَا ذَكَرْتُ اللَّهَ ذَكَرَنِي. قَالَ: وَكُنَّا إِذَا دَعَوْنَا اللَّهَ قَالَ: وَاللَّهِ لَقَدِ اسْتَجَابَ اللَّهُ لَنَا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَقال رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ٤٠: ٦٠ قالوا: وعاش مائة وثلاثين سَنَةً، قَالَهُ هُشَيْمٌ وَغَيْرُهُ. قَالَ الْمَدَائِنِيُّ وَغَيْرُهُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ مِائَةٍ، وَقَالَ الْفَلَّاسُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ خَمْسٍ وَتِسْعِينَ، وَالصَّحِيحُ سَنَةَ مِائَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَفِيهَا تُوُفِّيَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَكَانَ يَفْضُلُ عَلَى وَالِدِهِ فِي الْعِبَادَةِ وَالِانْقِطَاعِ عَنِ النَّاسِ، وَلَهُ كَلِمَاتٌ حِسَانٌ مَعَ أَبِيهِ وَوَعْظِهِ إِيَّاهُ.

ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ إحدى ومائة

فِيهَا كَانَ هَرَبُ يَزِيدَ بْنِ الْمُهَلَّبِ مِنَ السِّجْنِ حِينَ بَلَغَهُ مَرَضُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، فَوَاعَدَ غِلْمَانِهِ يَلْقَوْنَهُ بِالْخَيْلِ فِي بَعْضِ الْأَمَاكِنِ، وَقِيلَ بِإِبِلٍ لَهُ، ثُمَّ نَزَلَ مِنْ مَحْبَسِهِ وَمَعَهُ جَمَاعَةٌ وَامْرَأَتُهُ عَاتِكَةُ بِنْتُ الْفُرَاتِ العامرية، فلما جاء غِلْمَانُهُ رَكِبَ رَوَاحِلَهُ وَسَارَ، وَكَتَبَ إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: إِنِّي وَاللَّهِ مَا خَرَجْتُ مِنْ سِجْنِكَ إِلَّا حِينَ بَلَغَنِي مَرَضُكَ، وَلَوْ رَجَوْتُ حَيَاتَكَ مَا خَرَجْتُ، وَلَكِنِّي خَشِيتُ مِنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ فَإِنَّهُ يَتَوَعَّدُنِي بِالْقَتْلِ، وكان يزيد يَقُولُ: لَئِنْ وُلِّيتُ لَأَقْطَعَنَّ مِنْ يَزِيدَ بْنِ الْمُهَلَّبِ طَائِفَةً، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا وُلِّيَ الْعِرَاقَ عاقب أصهاره آل عَقِيلٍ، وَهُمْ بَيْتُ الْحَجَّاجِ بْنِ يُوسُفَ الثَّقَفِيِّ، وَكَانَ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ مُزَوَّجًا بِبِنْتِ محمد بن يوسف، وله ابْنُهُ الْوَلِيدُ بْنُ يَزِيدَ الْفَاسِقُ الْمَقْتُولُ كَمَا سَيَأْتِي.

وَلَمَّا بَلَغَ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّ يَزِيدَ بْنَ الْمُهَلَّبِ هَرَبَ مِنَ السِّجْنِ قَالَ: اللَّهمّ إِنْ كَانَ يُرِيدُ بِهَذِهِ الْأُمَّةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>