الحاكم لما وقف لها واستمع كلامها،، فرحمها فوقف لها فبكت إليه بكاء شديدا مكرا وحيلة وخداعا، وقالت له: أيها القاضي إِنَّ لِي أَخًا لَيْسَ لِي غَيْرُهُ، وَهُوَ في السياق وإني أسألك بحق الحاكم عليك لما أوصلتنى إلى منزله، لأنظر إليه قبل أن يفارق الدنيا، وأجرك على الله. فَرَقَّ لَهَا الْقَاضِي رِقَّةً شَدِيدَةً وَأَمَرَ رَجُلَيْنِ كانا معه يكونان معها حتى يبلغانها إِلَى الْمَنْزِلِ الَّذِي تُرِيدُهُ، فَأَغْلَقَتْ بَابَهَا وَأَعْطَتِ المفتاح لجارتها، وذهبت معهما حتى وصلت إلى منزل معشوقها، فطرقت الباب ودخلت وقالت لهما: اذهبا هذا منزله فإذا رجل كانت تهواه ونحبه ويهواها ويحبها، فقال لها: كيف قدرت على الوصول إليّ؟
فَأَخْبَرَتْهُ بِمَا احْتَالَتْ بِهِ مِنَ الْحِيلَةِ عَلَى القاضي، فأعجبه ذلك من مكرها وحيلتها، وَجَاءَ زَوْجُهَا مِنْ آخِرِ النَّهَارِ فَوَجَدَ بَابَهُ مغلقا وليس في بيته أحد، فسأل الجيران عن أمرها فذكرت له جارتها مَا صَنَعَتْ فَاسْتَغَاثَ عَلَى الْقَاضِي وَذَهَبَ إِلَيْهِ وَقَالَ لَهُ: مَا أُرِيدُ امْرَأَتِي إِلَّا مِنْكَ الساعة، وإلا عرّفت الحاكم، فان امرأتي لَيْسَ لَهَا أَخٌ بِالْكُلِّيَّةِ، وَإِنَّمَا ذَهَبَتْ إِلَى معشوقها، فَخَافَ الْقَاضِي مِنْ مَعَرَّةِ هَذَا الْأَمْرِ، فَرَكِبَ إلى الحاكم وبكى بين يديه، فَسَأَلَهُ عَنْ شَأْنِهِ فَأَخْبَرَهُ بِمَا اتَّفَقَ لَهُ من الأمر مع المرأة، فأرسل الحاكم مع ذينك الرجلين من يحضر المرأة والرجل جَمِيعًا، عَلَى أَيِّ حَالٍ كَانَا عَلَيْهِ، فَوَجَدَهُمَا مُتَعَانِقَيْنِ سُكَارَى، فَسَأَلَهُمَا الْحَاكِمُ عَنْ أَمْرِهِمَا فَأَخَذَا يَعْتَذِرَانِ بِمَا لَا يُجْدِي شَيْئًا، فَأَمَرَ بِتَحْرِيقِ المرأة في بادية وضرب الرجل ضربا مبرحا حتى أتلفه، ثم ازداد احتياطا وشدة على النساء حتى جعلهن في أضيق من جحر ضب، ولا زال هذا دأبه حَتَّى مَاتَ. ذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ.
وَفِي رَجَبٍ منها ولى أبو الحسن أحمد بْنِ أَبِي الشَّوَارِبِ قَضَاءَ الْحَضْرَةِ بَعْدَ مَوْتِ أبى محمد الأكفاني. وفيها عمّر فخر الدولة مسجد الشرقية ونصب عليه الشبابيك من الحديد.
وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ
بَكْرُ بْنُ شاذان بن بكر
أبو القاسم المقري الواعظ، سمع أبا بكر الشافعيّ، وجعفر الْخُلْدِيَّ، وَعَنْهُ الْأَزْهَرِيُّ وَالْخَلَّالُ، وَكَانَ ثِقَةً أَمِينًا صَالِحًا عَابِدًا زَاهِدًا، لَهُ قِيَامُ لَيْلٍ، وَكَرِيمُ أخلاق. مات فيها عن نيف وثمانين سنة، وَدُفِنَ بِبَابِ حَرْبٍ
بَدْرُ بْنُ حَسْنَوَيْهِ بْنِ الْحُسَيْنِ
أَبُو النَّجْمِ الْكُرْدِيُّ، كَانَ مِنْ خِيَارِ الملوك بناحية الدينور وهمدان، وله سياسة وصدقة كثيرة، كنّاه القادر بأبي النَّجْمِ، وَلَقَّبَهُ نَاصِرَ الدَّوْلَةِ، وَعَقَدَ لَهُ لِوَاءً وأنفذه إليه، وكانت معاملاته وبلاده في غاية الأمن والطيبة، بحيث إذا أعيى جمل أحد من المسافرين أو دابته عن حمله يتركها بما عليها في البرية فيرد عليه، ولو بعد حين لَا يُنْقَصُ مِنْهُ شَيْءٌ، وَلَمَّا عَاثَتْ أُمَرَاؤُهُ في الأرض فَسَادًا عَمِلَ لَهُمْ ضِيَافَةً حَسَنَةً، فَقَدَّمَهَا إِلَيْهِمْ وَلَمْ يَأْتِهِمْ بِخُبْزٍ، فَجَلَسُوا يَنْتَظِرُونَ الْخُبْزَ، فَلَمَّا استبطاؤه سألوا عنه فقال لهم:
إذا كنتم تهلكون الحرث وتظلمون الزراع، فمن أين تؤتون بخبز؟ ثم قال لهم: لا أسمع بأحد أفسد في الأرض بعد اليوم إِلَّا أَرَقْتَ دَمَهُ. وَاجْتَازَ مَرَّةً فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ بِرَجُلٍ قَدْ حَمَلَ حُزْمَةَ حَطَبٍ وَهُوَ