للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلَوْ كَانَ لِي رِزْقٌ لَدَيْهِ لَنِلْتُهُ ... وَلَكِنَّهُ أَمْرٌ مِنَ الْوَاحِدِ الْفَرْدِ

فَرَدَّهُ إِلَى خَالِدٍ وَأَعْلَمَهُ بِمَا كَانَ يَقُولُ فَأَمَرَ لَهُ بِعَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ. وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ: سَأَلَ أَعْرَابِيٌّ خَالِدًا الْقَسْرِيَّ أَنْ يَمْلَأَ لَهُ جِرَابَهُ دَقِيقًا فَأَمَرَ بمثله له دراهم، فقيل للأعرابي حين خرج: ما فعل معك؟ فقال: سألته بما أَشْتَهِي فَأَمَرَ لِي بِمَا يَشْتَهِي هُوَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَيْنَمَا خَالِدٌ يَسِيرُ فِي مَوْكِبِهِ إِذْ تَلَقَّاهُ أَعْرَابِيٌّ فَسَأَلَهُ أَنْ يَضْرِبَ عُنُقَهُ، فَقَالَ وَيْحَكَ وَلِمَ؟ أَقَطَعْتَ السَّبِيلَ؟ أَأَخْرَجْتَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ؟

فَكُلُّ ذَلِكَ يَقُولُ لَا! قَالَ: فَلِمَ؟ قال: من الفقر والفاقة. فقال: سل حاجتك، قال ثَلَاثِينَ أَلْفًا. فَقَالَ خَالِدٌ: مَا رَبِحَ أَحَدٌ مِثَلَ مَا رَبِحْتُ الْيَوْمَ، إِنِّي وَضَعْتُ فِي نَفْسِي أَنْ يَسْأَلَنِي مِائَةَ أَلْفٍ فَسَأَلَ ثَلَاثِينَ فربحت سبعين. ارْجِعُوا بِنَا الْيَوْمَ، وَأَمَرَ لَهُ بِثَلَاثِينَ أَلْفًا. وكان إذا جلس يوضع [المال] بَيْنَ يَدَيْهِ وَيَقُولُ: إِنَّ هَذِهِ الْأَمْوَالَ وَدَائِعُ لَا بُدَّ مِنْ تَفْرِقَتِهَا. وَسَقَطَ خَاتَمٌ لِجَارِيَتِهِ رابعة يساوى ثلاثين ألفا، في بالوعة الدار، فسألت أن تؤتى بمن يخرجه، فَقَالَ: إِنَّ يَدَكِ أَكْرَمُ عَلَيَّ مِنْ أَنْ تلبسه بعد ما صَارَ إِلَى هَذَا الْمَوْضِعِ الْقَذِرِ، وَأَمَرَ لَهَا بخمسة آلاف دينار بدله. وقد كان لرابعة هَذِهِ مِنَ الْحُلِيِّ شَيْءٌ عَظِيمٌ، مِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ يَاقُوتَةٌ وَجَوْهَرَةٌ، كُلُّ وَاحِدَةٍ بِثَلَاثَةٍ وَسَبْعِينَ أَلْفِ دِينَارٍ.

وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي كِتَابِ السُّنَّةِ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِمَّنْ صَنَّفَ فِي كُتُبِ السُّنَّةِ أَنَّ خَالِدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْقَسْرِيَّ خَطَبَ النَّاسَ فِي عِيدِ أَضْحًى فَقَالَ: أَيُّهَا الناس، ضحوا يقبل اللَّهُ ضَحَايَاكُمْ، فَإِنِّي مُضَحٍّ بِالْجَعْدِ بْنِ دِرْهَمٍ، إِنَّهُ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَتَّخِذْ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا، وَلَمْ يُكَلِّمْ مُوسَى تَكْلِيمًا، تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُ الْجَعْدُ بْنُ دِرْهَمٍ عُلُوًّا كَبِيرًا. ثُمَّ نَزَلَ فَذَبَحَهُ فِي أَصْلِ الْمِنْبَرِ.

قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ: كَانَ الْجَعْدُ بْنُ دِرْهَمٍ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، وَهُوَ مُؤَدِّبُ مَرْوَانَ الحمار، ولهذا يقال له مروان الجعديّ، فنسب إِلَيْهِ، وَهُوَ شَيْخُ الْجَهْمِ بْنِ صَفْوَانَ الَّذِي تُنْسَبُ إِلَيْهِ الطَّائِفَةُ الْجَهْمِيَّةُ الَّذِينَ يَقُولُونَ إِنَّ اللَّهَ فِي كُلِّ مَكَانٍ بِذَاتِهِ، تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا. وَكَانَ الْجَعْدُ بْنُ دِرْهَمٍ قَدْ تَلَقَّى هَذَا الْمَذْهَبَ الْخَبِيثَ عَنْ رجل يقال له أبان بن سمعان، وأخذه أبان عن طالوت ابن أخت لبيد ابن أَعْصَمَ، عَنْ خَالِهِ لَبِيدِ بْنِ أَعْصَمَ الْيَهُودِيِّ الَّذِي سَحَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مشط وماشطة وجف طلعة ذكر له، وتحت راعوفة ببئر ذي اروان الّذي كَانَ مَاؤُهَا نُقَاعَةَ الْحِنَّاءِ. وَقَدْ ثَبَتَ الْحَدِيثُ بِذَلِكَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا. وَجَاءَ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ بِسَبَبِ ذَلِكَ سُورَتَيِ الْمُعَوِّذَتَيْنِ.

وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الرِّفَاعِيُّ سَمِعْتُ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَيَّاشٍ قَالَ: رَأَيْتُ خَالِدًا الْقَسْرِيَّ حِينَ أُتِيَ بِالْمُغِيرَةِ وَأَصْحَابِهِ، وَقَدْ وُضِعَ لَهُ سَرِيرٌ فِي الْمَسْجِدِ، فَجَلَسَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَمَرَ بِرَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَضُرِبَتْ عُنُقُهُ ثُمَّ قَالَ للمغيرة: أَحْيِهِ وَكَانَ الْمُغِيرَةُ يَزْعُمُ أَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى فَقَالَ: وَاللَّهِ أَصْلَحَكَ اللَّهُ مَا أُحْيِي الْمَوْتَى. قَالَ: لَتُحْيِيَنَّهُ أَوْ لَأَضْرِبَنَّ عُنُقَكَ. قَالَ: وَاللَّهِ مَا أَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ. ثُمَّ أَمَرَ

<<  <  ج: ص:  >  >>