متواليات، وقال: إلى متى نعبد هذا الحجر؟ ولا محمد ولا على يمنعني مما أفعله، فانى أهدم اليوم هذا البيت، وجعل يرتعد، فاتقاه أكثر الحاضرين وتأخروا عنه، وذلك لأنه كان رجلا طوالا جسيما أحمر اللون أشقر الشعر، وعلى باب الجامع جماعة من الفرسان، وقوف ليمنعوه ممن يريد منعه من هذا الفعل، وأراده بسوء، فتقدم إليه رجل من أهل اليمن معه خنجر فوجأه بها، وتكاثر الناس عليه فقتلوه وقطعوه قطعا، وحرقوه بالنار، وتتبعوا أصحابه فقتلوا منهم جماعة، ونهبت أهل مكة الركب المصري، وتعدى النهب إلى غيرهم، وجرت خبطة عظيمة، وفتنة كبيرة جدا، ثم سكن الحال بعد أن تتبع أولئك النفر الذين تمالئوا على الإلحاد في أشرف البلاد غير أنه قد سقط من الحجر ثلاث فلق مثل الأظفار، وبدا ما تحتها أسمر يضرب إلى صفرة، محببا مثل الخشخاش، فأخذ بنو شيبة تلك الفلق فعجنوها بالمسك والك وحشوا بها تلك الشقوق التي بدت، فاستمسك الحجر واستمر على ما هو عليه الآن، وهو ظاهر لمن تأمله. وفيها فتح المارستان الّذي بناه الوزير مؤيد الملك، أبو على الحسن، وزير شرف الملك بواسط، ورتب له الخزان والأشربة والأدوية والعقاقير، وغير ذلك مما يحتاج إليه.
[وفيها توفى من الأعيان]
[ابن البواب الكاتب]
صاحب الخط المنسوب، على بن هلال أبو الحسن ابن البواب، صاحب أبى الحسين بن سمعون الواعظ، وقد أثنى على ابن البواب غير واحد في دينه وأمانته، وأما خطه وطريقته فيه فأشهر من أن ننبه عليها، وخطه أوضح تعريبا من خط أبى على بن مقلة، ولم يكن بعد ابن مقلة أكتب منه، وعلى طريقته الناس اليوم في سائر الأقاليم إلا القليل. قال ابن الجوزي: توفى يوم السبت ثانى جمادى الآخرة منها، ودفن بمقبرة باب حرب، وقد رثاه بعضهم بأبيات منها قوله:
فللقلوب التي أبهجتها حرق … وللعيون التي أقررتها سهر
فما لعيش وقد ودعته ارج … وما لليل وقد فارقته سحر
قال ابن خلكان: ويقال له السترى، لأن أباه كان ملازما لستر الباب، ويقال له ابن البواب وكان قد أخذ الخط عن عبد الله بن محمد بن أسد بن على بن سعيد البزار، وقد سمع أسد هذا على النجاد وغيره، وتوفى سنة عشر وأربعمائة، وأما ابن البواب فإنه توفى في جمادى الأولى من هذه السنة، وقبل في سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة، وقد رثاه بعضهم فقال:
استشعرت الكتاب فقدك سالفا … وقضت بصحة ذلك الأيام
فلذاك سودت الدّوىّ كآبة … أسفا عليك وشقت الأقلام
ثم ذكر ابن خلكان أول من كتب بالعربية، فقيل إسماعيل ﵇، وقيل أول من