وشيخ الشيوخ ومدرس الناصرية الجوانية والشامية الجوانية بدمشق، ومدرس الأسدية بحلب، وقد باشر كتابة السر بحلب أيضا، وقضاء العساكر وأفتى بزمان ولاية الشيخ كمال الدين الزملكانى قضاء حلب، أذن له هنالك في حدود سنة سبع وعشرين وسبعمائة، ومولده سنة سبع وسبعمائة، وقد قرأ التنبيه ومختصر ابن الحاجب في الأصول، وفي العربية، وكان عنده نباهة وممارسة للعلم، وفيه جودة طباع وإحسان بحسب ما يقدر عليه، وليس يتوسم منه سوء، وفيه ديانة وعفة، حلف لي في وقت بالأيمان المغلظة أنه لم يمكن قط منه فاحشة اللواط ولا خطر له ذلك، ولم يزن ولم يشرب مسكرا ولا أكل حشيشة، فرحمه الله وأكرم مثواه، صلى عليه بعد الظهر يومئذ وخرج بالجنازة من باب النصر فخرج نائب السلطنة من دار السعادة فحضر الصلاة عليه هنالك، ودفن بمقبرة لهم بالصوفية وتأسفوا عليه وترحموا، وتزاحم جماعة من الفقهاء بطلب مدارسه انتهى.
[ثم دخلت سنة أربع وستين وسبعمائة]
استهلت هذه السنة وسلطان الإسلام بالديار المصرية والشامية والحجازية وما يتبعهما من الأقاليم والرساتيق الملك المنصور صلاح الدين محمد بن الملك المنصور المظفري حاجي بن الملك الناصر محمد ابن الملك المنصور قلاوون الصالحي، ومدبر الممالك بين يديه، وأتابك العساكر سيف الدين يلبغا، وقضاة مصر هم المذكورون في التي قبلها، غير أن ابن جماعة قاضى الشافعية وموفق الدين قاضى الحنابلة في الحجاز الشريف، ونائب دمشق الأمير سيف الدين قشتمر المنصوري، وقاضى قضاة الشافعية الشيخ بهاء الدين ابن قاضى القضاة تقى الدين السبكى، وأخوه قاضى القضاة تاج الدين مقيم بمصر، وقاضى قضاة الحنفية الشيخ جمال الدين ابن قاضى القضاة شرف الدين الكفري، آثره والده بالمنصب وأقام على تدريس الركنية يتعبد ويتلو ويجمع على العبادة، وقاضى قضاة المالكية جمال الدين المسلاتي، وقاضى قضاة الحنابلة الشيخ جمال الدين المرداوي محمود بن جملة، ومحتسب البلد الشيخ عماد الدين بن الشيرجي، وكاتب السر جمال الدين عبد الله بن الأثير، قدم من الديار المصرية عوضا عن ناصر الدين بن يعقوب، وكان قدومه يوم سلخ السنة الماضية، وناظر الدواوين بدر الدين حسن بن النابلسي، وناظر الخزانة القاضي تقى الدين بن مراجل. ودخل المحمل السلطاني يوم الجمعة الثاني والعشرين من المحرم بعد العصر خوفا من المطر، وكان وقع مطر شديد قبل أيام، فتلف منه غلات كثيرة بحوران وغيرها، ومشاطيخ وغير ذلك، ف ﴿إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ﴾.
وفي ليلة الأربعاء السابع والعشرين منه بعد عشاء الآخرة قبل دقة القلعة دخل فارس من ناحية باب الفرج إلى ناحية باب القلعة الجوانية، ومن ناحية الباب المذكور سلسلة، ومن ناحية باب النصر أخرى جددتا لئلا يمر راكب على باب القلعة المنصورة، فساق هذا الفارس المذكور على