فكانت تكرمه وتشترى له الجواري، فلما قتل ابنها وتولى مكانه طلبها وهي مريضة فعاقبها عقوبة عظيمة جدا، حتى كان يعلقها برجليها ورأسها منكوس، فربما بالت فيسيل البول على وجهها، ليقررها على الأموال فلم يجد لها شيئا سوى ثيابها ومصاغها وحليها في صناديقها. قيمة ذلك مائة ألف دينار، وثلاثون ألف دينار، وكان لها غير ذلك أملاك أمر ببيعها وأتى بالشهود ليشهدوا عليها بالتوكيل في بيعها، فامتنع الشهود من الشهادة حتى ينظروا إليها ويحلوها، فرفع الستر بإذن الخليفة.
فقالوا لها: أنت شغب جارية المعتضد أم جعفر المقتدر؟ فبكت بكاء طويلا ثم قالت: نعم، فكتبوا حليتها عجوز سمراء اللون دقيقة الجبين. وبكى الشهود وتفكروا كيف يتقلب الزمان بأهله، وتنقل الحدثان وأن الدنيا دار بلاء لا يفي مرجوها بمخوفها، ولا يسلم طلوعها من كسوفها، من ركن إليها أحرقته بنارها. ولم يذكر القاهر شيئا من إحسانها إليه رحمها الله وعفا عنها. توفيت في جمادى الأولى من هذه السنة، ودفنت بالرصافة.
[عبد السلام بن محمد]
ابن عبد الوهاب بن سلام بن خالد بن حمران بن أبان، مولى عثمان بن عفان، وهو أبو هاشم ابن أبى على الجبائي المتكلم ابن المتكلم، المعتزلي بن المعتزلي، وإليه تنسب الطائفة الهاشمية من المعتزلة، وله مصنفات في الاعتزال كما لأبيه من قبله، مولده سنة سبع وأربعين ومائتين، توفى في شعبان منها. قال ابن خلكان: وكان له ابن يقال له أبو على، دخل يوما على الصاحب بن عباد فأكرمه واحترمه وسأله عن شيء من المسائل فقال: لا أعرف نصف العلم. فقال: صدقت وسبقك أبوك إلى الجهل بالنصف الآخر.
[أحمد بن الحسن بن دريد بن عتاهية]
أبو بكر بن دريد الأزدي اللغوي النحويّ الشاعر صاحب المقصورة، ولد بالبصرة في سنة ثلاث وعشرين ومائتين، وتنقل في البلاد لطلب العلم والأدب، وكان أبوه من ذوى اليسار، وقدم بغداد وقد أسن فأقام بها إلى أن توفى في هذه السنة. روى عن عبد الرحمن بن أخى الأصمعي، وأبى حاتم والرياشي. وعنه أبو سعيد السيرافي، وأبو بكر بن شاذان، وأبو عبيد الله بن المرزبان وغيرهم. ويقال كان أعلم من شعر من العلماء. وقد كان متهتكا في الشراب منهمكا فيه. قال أبو منصور الأزهري:
دخلت عليه فوجدته سكران فلم أعد إليه. وسئل عنه الدار قطنى فقال: تكلموا فيه. وقال ابن شاهين: كنا ندخل عليه فنستحى مما نراه من العيدان المعلقة وآلات اللهو والشراب المصفى وقد جاوز التسعين وقارب المائة. توفى يوم الأربعاء لثنتى عشرة بقيت من شعبان. وفي هذا اليوم توفى أبو هاشم ابن أبى على الجبائي المعتزلي، فصلى عليهما معا، ودفنا في مقبرة الخيزران. فقال الناس: مات