الْأُسَارَى، إِلَّا أُسَارَى بَنِي كَلْبٍ فَإِنَّ عَاصِمَ بْنَ عَمْرٍو وَالْأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ، وَبَنِي تَمِيمٍ أَجَارُوهُمْ، فَقَالَ لَهُمْ خَالِدٌ: مَا لِي وما لكم أَتَحْفَظُونَ أَمْرَ الْجَاهِلِيَّةِ وَتُضَيِّعُونَ أَمْرَ الْإِسْلَامِ؟ فَقَالَ له عاصم بن عمرو: أتحسدونهم العافية وتحوّذونهم الشَّيْطَانِ، ثُمَّ أَطَافَ خَالِدٌ بِالْبَابِ فَلَمْ يَزَلْ عَنْهُ حَتَّى اقْتَلَعَهُ، وَاقْتَحَمُوا الْحِصْنَ فَقَتَلُوا مَنْ فيه من المقاتلة، وسبوا الذراري فبايعوهم بَيْنَهُمْ فِيمَنْ يَزِيدُ، وَاشْتَرَى خَالِدٌ يَوْمَئِذٍ ابْنَةَ الْجُودِيِّ، وَكَانَتْ مَوْصُوفَةً بِالْجَمَالِ، وَأَقَامَ بِدُومَةِ الْجَنْدَلِ وَرَدَّ الْأَقْرَعَ إِلَى الْأَنْبَارِ، ثُمَّ رَجَعَ خَالِدٌ إِلَى الْحِيرَةِ، فَتَلَقَّاهُ أَهْلُهَا مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ بِالتَّقْلِيسِ، فَسَمِعَ رَجُلًا مِنْهُمْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ: مُرَّ بنا فهذا يوم فرح الشر.
خبر وقعتي الحصيد والمضيّح
قَالَ سَيْفٌ عَنْ مُحَمَّدٍ وَطَلْحَةَ وَالْمُهْلَّبِ قَالُوا: وكان خَالِدٌ أَقَامَ بِدُومَةِ الْجَنْدَلِ فَظَنَّ الْأَعَاجِمُ بِهِ وَكَاتَبُوا عَرَبَ الْجَزِيرَةِ فَاجْتَمَعُوا لِحَرْبِهِ، وَقَصَدُوا الْأَنْبَارَ يُرِيدُونَ انْتِزَاعَهَا مِنَ الزِّبْرِقَانِ، وَهُوَ نَائِبُ خَالِدٍ عَلَيْهَا، فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ الزِّبْرِقَانَ كَتَبَ إِلَى القعقاع بن عمرو نائب خالد على الحيرة، فبعث القعقاع أعبد ابن فَدَكِيٍّ السَّعْدِيَّ وَأَمَرَهُ بِالْحُصَيْدِ وَبَعَثَ عُرْوَةَ بْنَ أبى الْجَعْدِ الْبَارِقِيَّ وَأَمَرَهُ بِالْخَنَافِسِ، وَرَجَعَ خَالِدٌ مِنْ دُومَةَ إِلَى الْحِيرَةِ وَهُوَ عَازِمٌ عَلَى مُصَادَمَةِ أَهْلِ الْمَدَائِنِ مَحَلَّةِ كِسْرَى، لَكِنَّهُ يَكْرَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ بِغَيْرِ إِذَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَشَغَلَهُ مَا قَدِ اجْتَمَعَ مِنْ جُيُوشِ الْأَعَاجِمِ مَعَ نَصَارَى الْأَعْرَابِ يُرِيدُونَ حَرْبَهُ، فَبَعَثَ الْقَعْقَاعَ بْنَ عَمْرٍو أَمِيرًا عَلَى النَّاسِ، فَالْتَقَوْا بِمَكَانٍ يُقَالُ لَهُ الْحُصَيْدُ، وَعَلَى الْعَجَمِ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ رُوزَبَهْ، وَأَمَدَّهُ أَمِيرٌ آخَرُ يُقَالُ لَهُ زَرْمِهْرُ، فَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا، وَهُزِمَ الْمُشْرِكُونَ فَقَتَلَ مِنْهُمُ الْمُسْلِمُونَ خَلْقًا كَثِيرًا، وَقَتَلَ الْقَعْقَاعُ بِيَدِهِ زَرْمِهْرَ، وَقَتَلَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ عِصْمَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الضَّبِّيُّ رُوزَبَهْ، وَغَنِمَ الْمُسْلِمُونَ شَيْئًا كَثِيرًا، وَهَرَبَ مَنْ هَرَبَ مِنَ الْعَجَمِ، فلجئوا إِلَى مَكَانٍ يُقَالُ لَهُ خَنَافِسُ، فَسَارَ إِلَيْهِمْ أَبُو لَيْلَى بْنُ فَدَكِيٍّ السَّعْدِيُّ، فَلَمَّا أَحَسُّوا بذلك ساروا إلى المضيح، فَلَمَّا اسْتَقَرُّوا بِهَا بِمَنْ مَعَهُمْ مِنَ الْأَعَاجِمِ والأعارب قَصَدَهُمْ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ بِمَنْ مَعَهُ مِنَ الْجُنُودِ، وَقَسَّمَ الْجَيْشَ ثَلَاثَ فِرَقٍ، وَأَغَارَ عَلَيْهِمْ لَيْلًا وَهُمْ نَائِمُونَ فَأَنَامَهُمْ، وَلَمْ يُفْلِتْ مِنْهُمْ إِلَّا الْيَسِيرُ فَمَا شُبِّهُوا إِلَّا بِغَنَمٍ مُصَرَّعَةٍ، وَقَدْ رَوَى ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: انْتَهَيْنَا فِي هَذِهِ الْغَارَةِ إِلَى رَجُلٍ يُقَالُ لَهُ حُرْقُوصُ بْنُ النُّعْمَانِ النَّمَرِيُّ، وَحَوْلَهُ بَنُوهُ وَبَنَاتُهُ وَامْرَأَتُهُ، وَقَدْ وَضَعَ لَهُمْ جفنة من خمر وهم يقولون: أَحَدَ يَشْرَبُ هَذِهِ السَّاعَةَ وَهَذِهِ جُيُوشُ خَالِدٍ قَدْ أَقْبَلَتْ؟ فَقَالَ لَهُمُ: اشْرَبُوا شُرْبَ وَدَاعٍ فَمَا أَرَى أَنْ تَشْرَبُوا خَمْرًا بَعْدَهَا، فَشَرِبُوا وجعل يقول:
ألا يا اسقيانى قبل نائرة الْفَجْرِ ... لَعَلَّ مَنَايَانَا قَرِيبٌ وَلَا نَدْرِي
الْقَصِيدَةَ إِلَى آخِرِهَا، قَالَ: فَهَجَمَ النَّاسُ عَلَيْهِ فَضَرَبَ رَجُلٌ رَأْسَهُ فَإِذَا هُوَ فِي جَفْنَتِهِ، وَأُخِذَتْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute