الشُّجَاعِيِّ، فَصَادَرَ جَمَاعَةً وَجَمَعَ أَمْوَالًا كَثِيرَةً، وَحَصَلَ بِسَبَبِ ذَلِكَ أَذَى الْخَلْقِ، وَبِئْسَ هَذَا الصَّنِيعُ فان ذَلِكَ تَعْجِيلٌ لِدَمَارِ الظَّالِمِ وَهَلَاكِهِ، فَلَمْ يُغْنِ عَنِ الْمَنْصُورِ مَا جَمَعَ لَهُ الشُّجَاعِيُّ مِنَ الْأَمْوَالِ شَيْئًا، فَإِنَّهُ لَمْ يَعِشْ بَعْدَ ذَلِكَ إلا اليسير حتى أخذه الله أخذ القرى وهي ظالمة، كَمَا سَيَأْتِي. ثُمَّ سَافَرَ السُّلْطَانُ فِي ثَانِي شَعْبَانَ بِجَيْشِهِ إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، فَدَخَلَهَا فِي أَوَاخِرِ شَعْبَانَ. وَفِيهَا فُتِحَتْ قِلَاعٌ كَثِيرَةٌ بِنَاحِيَةِ حَلَبَ: كَرْكَرُ، وَتِلْكَ النَّوَاحِي، وَكُسِرَتْ طَائِفَةٌ مِنَ التَّتَرِ هُنَاكَ، وَقُتِلَ مَلِكُهُمْ خَرْبَنْدَا نَائِبُ التَّتَرِ عَلَى مَلَطْيَةَ.
وَفِيهَا تَوَلَّى الْحِسْبَةَ بِدِمَشْقَ جَمَالُ الدِّينِ يُوسُفُ بْنُ التَّقِيِّ تَوْبَةُ التَّكْرِيتِيُّ ثُمَّ أَخَذَهَا بَعْدَ شُهُورٍ تَاجُ الدِّينِ الشِّيرَازِيُّ. وَفِيهَا وُضِعَ مِنْبَرٌ عِنْدَ مِحْرَابِ الصَّحَابَةِ بِسَبَبِ عِمَارَةٍ كَانَتْ فِي الْمَقْصُورَةِ، فَصَلَّى بُرْهَانُ الدِّينِ الْإِسْكَنْدَرِيُّ نَائِبُ الْخَطِيبِ بِالنَّاسِ هُنَاكَ مُدَّةَ شَهْرٍ، الْجَمَاعَاتِ وَالْجُمُعَاتِ، ابْتَدَءُوا ذَلِكَ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ الثَّانِي والعشرين من ذي الحجة.
وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ
الشَّيْخَةُ فَاطِمَةُ بنت الشيخ إبراهيم الزعيبى
زَوْجَةُ النَّجْمِ بْنِ إِسْرَائِيلَ، كَانَتْ مِنْ بَيْتِ الْفَقْرِ، لَهَا سَلْطَنَةٌ وَإِقْدَامٌ وَتَرْجَمَةٌ وَكَلَامٌ فِي طَرِيقَةِ الْحَرِيرِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ، وَحَضَرَ جِنَازَتَهَا خَلْقٌ كَثِيرٌ، ودفنت عند الشيخ رسلان.
[العالم ابن الصاحب]
الشيخ الْمَاجِنِ، هُوَ الشَّيْخُ الْفَاضِلُ عَلَمُ الدِّينِ أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شُكْرٍ، كَانَ مِنْ بَيْتِ عِلْمٍ وَرِيَاسَةٍ، وَقَدْ دَرَّسَ فِي بَعْضِ الْمَدَارِسِ، وَكَانَتْ لَهُ وَجَاهَةٌ وَرِيَاسَةٌ، ثُمَّ تَرَكَ ذَلِكَ كُلَّهُ وَأَقْبَلَ عَلَى الْحَرْفَشَةِ وَصُحْبَةِ الْحَرَافِيشِ وَالتَّشَبُّهِ بِهِمْ فِي اللِّبَاسِ وَالطَّرِيقَةِ، وأكل الحشيش واستعمله، كَانَ مِنْ إِلْفِهِمْ فِي الْخَلَاعَةِ وَالْمُجُونِ وَالزَّوَائِدِ الرَّائِقَةِ الْفَائِقَةِ الَّتِي لَا يُلْحَقُ فِي كَثِيرٍ مِنْهَا، وَقَدْ كَانَ لَهُ أَوْلَادٌ فُضَلَاءُ يَنْهَوْنَهُ عَنْ ذَلِكَ فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهِمْ، وَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ دَأْبَهُ حَتَّى تُوُفِّيَ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ. وَلَمَّا وَلِيَ الْقُضَاةُ الأربعة كان ابن خالته تاج الدين بن بِنْتِ الْأَعَزِّ مُسْتَقِلًّا فِي الْقَضَاءِ قَبْلَ ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ الصَّاحِبِ الْمَذْكُورُ: مَا مِتُّ حَتَّى رَأَيْتُكَ صَاحِبَ رَبْعٍ، فَقَالَ لَهُ: تَسْكُتُ وَإِلَّا خَلَّيْتُهُمْ يَسْقُونَكَ السُّمَّ، فَقَالَ لَهُ: فِي قِلَّةِ دِينِكَ تَفْعَلُ، وَفِي قِلَّةِ عُقُولِهِمْ يَسْمَعُوا مِنْكَ، وَقَالَ يَمْدَحُ الْحَشِيشَةَ الْخَسِيسَةَ:
فِي خُمَارِ الْحَشِيشِ مَعْنَى مَرَامِي ... يَا أُهَيْلَ الْعُقُولِ وَالْأَفْهَامِ
حرموها عن غَيْرِ عَقْلٍ وَنَقْلٍ ... وَحَرَامٌ تَحْرِيمُ غَيْرِ الْحَرَامِ
وَلَهُ أَيْضًا:
يا نَفْسُ مِيلِي إِلَى التَّصَابِي ... فَاللَّهْوُ مِنْهُ الْفَتَى يَعِيشُ
وَلَا تَمَلِّي مِنْ سُكْرِ يَوْمٍ ... إِنْ أَعْوَزَ الْخَمْرُ فَالْحَشِيشُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute