البرد. فقال المغيرة: والله ما جاء أبو موسى تاجرا ولا زائرا ولا جاء إلا أميرا. ثم قدم أبو موسى على الناس وناول المغيرة كتابا من عمر هو أوجز كتابه فيه «أما بعد فإنه بلغني نبأ عظيم فبعثت أبا موسى أميرا فسلم ما في يديك والعجل» وكتب إلى أهل البصرة: إني قد وليت عليكم أبا موسى ليأخذ من من قويكم لضعيفكم، وليقاتل بكم عدوكم، وليدفع عن دينكم وليجبى لكم فيئكم ثم ليقسمه بينكم.
وأهدى المغيرة لأبى موسى جارية من مولدات الطائف تسمى عقيلة وقال: إني رضيتها لك، وكانت فارهة. وارتحل المغيرة والذين شهدوا عليه وهم أبو بكرة، ونافع بن كلدة، وزياد بن أمية، وشبل بن معبد البجلي. فلما قدموا على عمر جمع بينهم وبين المغيرة. فقال المغيرة: سل هؤلاء الأعبد كيف رأوني؟ مستقبلهم أو مستدبرهم؟ وكيف رأوا المرأة وعرفوها، فان كانوا مستقبلي فكيف لم يستتروا؟ أو مستدبرى فكيف استحلوا النظر في منزلي على امرأتي؟ والله ما أتيت إلا امرأتي وكانت تشبهها.
فبدأ عمر بأبي بكرة فشهد عليه أنه رآه بين رجلي أم جميل وهو يدخله ويخرجه كالميل في المكحلة، قال: كيف رأيتهما؟ قال: مستدبرهما. قال: فكيف استبنت رأسها قال: تحاملت. ثم دعا شبل ابن معبد فشهد بمثل ذلك، فقال استقبلتهما أم استدبرتهما؟ قال: استقبلتهما. وشهد نافع بمثل شهادة أبى بكرة ولم يشهد زياد بمثل شهادتهم. قال: رأيته جالسا بين رجلي امرأة فرأيت قدمين مخضوبتين يخفقان واستين مكشوفتين، وسمعت حفزانا شديدا. قال: هل رأيت كالميل في المكحلة؟ قال: لا. قال: فهل تعرف المرأة؟ قال: لا ولكن أشبهها. قال: فتنح. وروى أن عمر ﵁ كبر عند ذلك ثم أمر بالثلاثة فجلدوا. الحد وهو يقرأ قوله تعالى ﴿فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَداءِ فَأُولئِكَ عِنْدَ اللهِ هُمُ الْكاذِبُونَ﴾ فقال المغيرة: اشفني من الأعبد. قال: اسكت أسكت الله فاك، والله لو تمت الشهادة لرجمناك بأحجارك.
[فتح الأهواز ومناذر ونهر تيري]
قال ابن جرير: كان في هذه السنة، وقيل: في سنة ست عشرة. ثم روى من طريق سيف عن شيوخه أن الهرمزان كان قد تغلب على هذه الأقاليم وكان ممن فر يوم القادسية من الفرس، فجهز أبو موسى من البصرة، وعتبة بن غزوان من الكوفة جيشين لقتاله، فنصرهم الله عليه، وأخذوا منه ما بين دجلة إلى دجيل، وغنموا من جيشه ما أرادوا، وقتلوا من أرادوا، ثم صانعهم وطلب مصالحتهم عن بقية بلاده، فشاورا في ذلك عتبة بن غزوان فصالحه، وبعث بالأخماس والبشارة إلى عمر، وبعث وفدا فيهم الأحنف بن قيس. فأعجب عمر به وحظي عنده. وكتب إلى عتبة يوصيه به ويأمره بمشاورته والاستعانة برأيه. ثم نقض الهرمزان العهد والصلح، واستعان بطائفة من الأكراد، وغرته نفسه، وحسن له الشيطان عمله في ذلك. فبرز إليه المسلمون فنصروا عليه وقتلوا من جيشه جما