وعليه ثياب البذلة، قال مرة في ميعاده هذا البيت وكرره:
ما في الصحاب أخو وجد تطارحه … إلا محب له في الركب محبوب
فقام شاب وكان في المجلس فأنشده:
كأنما يوسف في كل راحلة … وفي كل بيت منه يعقوب
فصاح الشيخ ونزل عن المنبر وقصد الشاب ليعتذر إليه فلم يجده ووجد مكانه حفرة فيها دم كثير من كثرة ما كان يفحص برجليه عند إنشاد الشيخ البيت. وذكر له ابن خلكان أشياء كثيرة من أناشيده وأثنى عليه خيرا، وأنه توفى في هذه السنة وله ثلاث وتسعون سنة رحمه الله تعالى.
[ابن الأثير مصنف أسد الغابة والكامل]
هو الامام العلامة عز الدين أبو الحسن على بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري الموصلي المعروف بابن الأثير مصنف كتاب أسد الغابة في أسماء الصحابة، وكتاب الكامل في التاريخ وهو من أحسنها حوادث، ابتدأه من المبتدإ إلى سنة ثمان وعشرين وستمائة، وقد كان يتردد إلى بغداد خصيصا عند ملوك الموصل، ووزر لبعضهم كما تقدم بيانه، وأقام بها في آخر عمره موقرا معظما إلى أن توفى بها في شعبان في هذه السنة، عن خمس وسبعين سنة ﵀. وأما أخوه أبو السعادات المبارك فهو مصنف كتاب جامع الأصول وغيره، وأخوهما الوزير ضياء الدين أبو الفتح نصر الله كان وزيرا للملك الأفضل على بن الناصر فاتح بيت المقدس، صاحب دمشق كما تقدم، وجزيرة ابن عمر، قيل انها منسوبة إلى رجل يقال له عبد العزيز بن عمر، من أهل برقعيد، وقيل بل هي منسوبة إلى ابني عمر، وهما أوس وكامل ابنا عمر بن أوس.
[ابن المستوفي الإربلي]
مبارك بن أحمد بن مبارك ابن موهوب بن غنيمة بن غالب العلامة شرف الدين أبو البركات اللخمي الإربلي، كان إماما في علوم كثيرة كالحديث وأسماء الرجال والأدب والحساب، وله مصنفات كثيرة وفضائل غزيرة، وقد بسط ترجمته القاضي شمس الدين بن خلكان في الوفيات، فأجاد وأفاد ﵏.
[ثم دخلت سنة إحدى وثلاثين وستمائة]
فيها كمل بناء المدرسة المستنصرية ببغداد ولم يبن مدرسة قبلها مثلها، ووقفت على المذاهب الأربعة من كل طائفة اثنان وستون فقيها، وأربعة معيدين، ومدرس لكل مذهب، وشيخ حديث وقارئان وعشرة مستمعين، وشيخ طب، وعشرة من المسلمين يشتغلون بعلم الطب، ومكتب للأيتام وقدر للجميع من الخبز واللحم والحلوى والنفقة ما فيه كفاية وافرة لكل واحد. ولما كان يوم الخميس خامس رجب حضرت الدروس بها وحضر الخليفة المستنصر بالله بنفسه الكريمة وأهل دولته من