للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هموا سنّوا الجوائز في معدّ … فعادت سنة أخرى الليالي

رماحهم تزيد على ثمان … وعشر قبل تركيب النصال

[فصل]

ومن مناقبه الكبار وحسناته العظيمة أنه جمع الناس على قراءة واحدة، وكتب المصحف على العرضة الأخيرة، التي درسها جبريل على رسول الله في آخر سنى حياته، وكان سبب ذلك أن حذيفة بن اليمان كان في بعض الغزوات، وقد اجتمع فيها خلق من أهل الشام، ممن يقرأ على قراءة المقداد بن الأسود، وأبى الدرداء، وجماعة من أهل العراق، ممن يقرأ على قراءة عبد الله بن مسعود، وأبى موسى، وجعل من لا يعلم بسوغان القراءة على سبعة أحرف، يفضل قراءته على قراءة غيره، وربما خطأ الآخر أو كفره، فأدى ذلك إلى اختلاف شديد، وانتشار في الكلام السيّئ بين الناس، فركب حذيفة إلى عثمان فقال: يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمة قبل أن تختلف في كتابها كاختلاف اليهود والنصارى في كتبهم. وذكر له ما شاهد من اختلاف الناس في القراءة، فعند ذلك جمع عثمان الصحابة وشاورهم في ذلك، ورأى أن يكتب المصحف على حرف واحد، وأن يجمع الناس في سائر الأقاليم على القراءة به، دون ما سواه، لما رأى في ذلك من مصلحة كف المنازعة، ودفع الاختلاف، فاستدعى بالصحف التي كان الصديق أمر زيد بن ثابت بجمعها، فكانت عند الصديق أيام حياته، ثم كانت عند عمر، فلما توفى صارت إلى حفصة أم المؤمنين، فاستدعى بها عثمان وأمر زيد بن ثابت الأنصاري أن يكتب وأن يملى عليه سعيد بن العاص الأموي، بحضرة عبد الله بن الزبير الأسدي وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي، وأمرهم إذا اختلفوا في شيء أن يكتبوه بلغة قريش، فكتب لأهل الشام مصحفا، ولأهل مصر آخر، وبعث إلى البصرة مصحفا وإلى الكوفة بآخر، وأرسل إلى مكة مصحفا وإلى اليمن مثله، وأقر بالمدينة مصحفا. ويقال لهذه المصاحف الأئمة، وليست كلها بخط عثمان، بل ولا واحد منها، وإنما هي بخط زيد بن ثابت، وإنما يقال لها المصاحف العثمانية نسبة إلى أمره وزمانه، وإمارته، كما يقال دينار هرقلي، أي ضرب في زمانه ودولته.

قال الواقدي: حدثنا ابن أبى سبرة عن سهيل بن أبى صالح عن أبيه عن أبى هريرة. ورواه غيره من وجه آخر عن أبى هريرة قال: «لما نسخ عثمان المصاحف دخل عليه أبو هريرة فقال: أصبت ووفقت، أشهد لسمعت رسول الله يقول: «إن أشد أمتى حبّا لي قوم يأتون من بعدي يؤمنون بى ولم يرونى، يعملون بما في الورق المعلق» فقلت: أي ورق؟ حتى رأيت المصاحف، قال: فأعجب ذلك عثمان وأمر لأبى هريرة بعشرة آلاف، وقال: والله ما علمت أنك لتحبس علينا حديث نبينا

<<  <  ج: ص:  >  >>