كَأَنَّكَ قَدْ وَضَعْتَ عَلَيْهِ دَنًّا ... فَتَحْتَ بُزَالَهُ مِنْ فَرْدِ عَيْنِ
هُمَا فَأْلُ الزَّمَانِ بِهُلْكِ يحيى ... إذا افْتَتَحَ الْقَضَاءَ بِأَعْوَرَيْنِ
وَغَزَا الصَّائِفَةَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ عَلِيُّ بْنُ يَحْيَى الْأَرْمِنِيُّ. وَحَجَّ بِالنَّاسِ على بْنِ عِيسَى بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ الْمَنْصُورِ أمير الحجاز. وفيها توفى حاتم الأصم. وممن توفى فيها عبد الأعلى بن حماد. وعبيد الله ابن معاذ العنبري. وأبو كامل الفضيل بن الحسن الجحدري.
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَمَانِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ
فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ مِنْهَا حَاصَرَ بُغَا مَدِينَةَ تَفْلِيسَ وَعَلَى مُقَدِّمَتِهِ زَيْرَكُ التُّرْكِيُّ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ صَاحِبُ تفليس إسحاق بن إسماعيل فقاتله فأسر بغا إِسْحَاقُ فَأَمَرَ بُغَا بِضَرْبِ عُنُقِهِ وَصَلْبِهِ، وَأَمَرَ بِإِلْقَاءِ النَّارِ فِي النِّفْطِ إِلَى نَحْوِ الْمَدِينَةِ، وَكَانَ أَكْثَرُ بِنَائِهَا مِنْ خَشَبِ الصَّنَوْبَرِ، فَأَحْرَقَ أَكْثَرَهَا وَأَحْرَقَ مِنْ أَهْلِهَا نَحْوًا مِنْ خَمْسِينَ ألفا، وَطَفِئَتِ النَّارُ بَعْدَ يَوْمَيْنِ، لِأَنَّ نَارَ الصَّنَوْبَرِ لَا بَقَاءَ لَهَا. وَدَخَلَ الْجُنْدُ فَأَسَرُوا مَنْ بقي من أهلها واستلبوهم حتى استلبوا المواشي. ثُمَّ سَارَ بُغَا إِلَى مُدُنٍ أُخْرَى مِمَّنْ كَانَ يُمَالِئُ أَهْلُهَا مَعَ مَنْ قَتَلَ نَائِبَ أرمينية يوسف بن محمد بن يوسف، فأخذ بثأره وعاقب من تَجَرَّأَ عَلَيْهِ.
وَفِيهَا جَاءَتِ الْفِرِنْجُ فِي نَحْوٍ من ثلاثمائة مركب قاصدين مصر من جهة دِمْيَاطَ، فَدَخَلُوهَا فَجْأَةً فَقَتَلُوا مِنْ أَهْلِهَا خَلْقًا وَحَرَقُوا الْمَسْجِدَ الْجَامِعَ وَالْمِنْبَرَ، وَأَسَرُوا مِنَ النِّسَاءِ نَحْوًا مِنْ سِتِّمِائَةِ امْرَأَةٍ، مِنَ الْمُسْلِمَاتِ مِائَةٌ وخمسة وعشرين امرأة، وسائرهن من نساء القبط، وأخذوا من الأمتعة والمال والأسلحة شَيْئًا كَثِيرًا جِدًّا، وَفَرَّ النَّاسُ مِنْهُمْ فِي كل جهة، وكان مَنْ غَرِقَ فِي بُحَيْرَةِ تِنِّيسَ أَكْثَرَ مِمَّنْ أَسَرُوهُ، ثُمَّ رَجَعُوا عَلَى حَمِيَّةٍ وَلَمْ يَعْرِضْ لَهُمْ أَحَدٌ حَتَّى رَجَعُوا بِلَادَهُمْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ. وفي هذه السنة غزا الصائفة على ابن يحيى الأرمني. وفيها حج بالناس الأمير الّذي حج بهم قبلها.
وَفِيهَا تُوُفِّيَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ أَحَدُ الْأَعْلَامِ وَعُلَمَاءِ الْإِسْلَامِ، وَالْمُجْتَهِدِينَ مِنَ الْأَنَامِ. وَبِشْرُ بْنُ الوليد الفقيه الحنفي. وطالون بن عباد. ومحمد بن بكار بن الزيات. ومحمد بن البرجانى. ومحمد بن أبى السري العسقلاني
. ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ تِسْعٍ وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ
فِي الْمُحَرَّمِ مِنْهَا زَادَ الْمُتَوَكِّلُ فِي التَّغْلِيظِ عَلَى أهل الذمة في التميز في اللباس وَأَكَّدَ الْأَمْرَ بِتَخْرِيبِ الْكَنَائِسِ الْمُحْدَثَةِ فِي الْإِسْلَامِ. وَفِيهَا نَفَى الْمُتَوَكِّلُ عَلِيَّ بْنَ الْجَهْمِ إِلَى خُرَاسَانَ. وَفِيهَا اتَّفَقَ شَعَانِينُ النَّصَارَى وَيَوْمُ النَّيْرُوزِ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ وَهُوَ يَوْمُ الْأَحَدِ لِعِشْرِينَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ. وَزَعَمَتِ النَّصَارَى أَنَّ هَذَا لَمْ يَتَّفِقْ مِثْلُهُ فِي الْإِسْلَامِ إِلَّا فِي هَذَا الْعَامِ. وَغَزَا الصَّائِفَةَ عَلِيُّ بْنُ يَحْيَى الْمَذْكُورُ.
وَفِيهَا حَجَّ بِالنَّاسِ عَبْدُ الله بن محمد بن داود وَالِي مَكَّةَ.
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَفِيهَا تُوُفِّيَ أبو الوليد محمد بن الْقَاضِي أَحْمَدَ بْنِ أَبِي دُؤَادٍ الْإِيَادِيُّ الْمُعْتَزِلِيُّ.