والرسائل والديوان وغير ذلك مما يحتاج إليه الملك عمالا، وجعل القاسم بن مجاشع التميمي - وكان أحد النقباء - على القضاء وكان يصلى بأبي مسلم الصلوات، ويقص بعض القصص فيذكر محاسن بنى هاشم ويذم بنى أمية، ثم تحول أبو مسلم إلى قرية يقال لها بالين، وكان في مكان منخفض، فخشي أن يقطع عنه نصر بن سيار الماء، وذلك في سادس ذي الحجة من هذه السنة، وصلى بهم يوم النحر القاضي القاسم بن مجاشع، وصار نصر بن سيار في جحافل كالسحاب قاصدا قتال أبى مسلم، واستخلف على البلاد ثوابا وكان من أمرهما ما سنذكره في السنة الآتية.
[مقتل ابن الكرماني]
ونشبت الحرب بين نصر بن سيار وبين ابن الكرماني - وهو جديع بن على الكرماني فقتل بينهما من الفريقين خلق كثير، وجعل أبو مسلم يكاتب كلا من الطائفتين ويستميلهم إليه، يكتب إلى نصر وإلى ابن الكرماني: إن الامام قد أوصاني بكم خيرا ولست أعدو رأيه فيكم، وكتب إلى الكور يدعو إلى بنى العباس فاستجاب له خلق كثير وجم غفير، وأقبل أبو مسلم فنزل بين خندق نصر وخندق ابن الكرماني، فهابه الفريقان جميعا، وكتب نصر بن سيار إلى مروان يعلمه بأمر أبى مسلم، وكثرة من معه، وأنه يدعو إلى إبراهيم بن محمد، وكتب في جملة كتابه:
أرى بين الرماد وميض جمر … وأحرى أن يكون له ضرام
فان النار بالعيدان تذكى … وإن الحرب مبدؤها الكلام
فقلت من التعجب ليت شعرى … أيقاظ أمية أم نيام
فكتب إليه مروان: الشاهد يرى ما لا يراه الغائب، فقال نصر: إن صاحبكم قد أخبركم أن لا نصر عنده. وبعضهم يرويها بلفظ آخر: -
أرى خلل الرماد وميض نار … فيوشك أن يكون لها ضرام
فان النار بالعيدان تذكى … وإن الحرب أولها كلام
فان لم يطفها عقلاء قوم … يكون وقودها جثث وهام
أقول من التعجب ليت شعرى … أيقاظ أمية أم نيام
فان كانوا لحينهم نياما … فقل قوموا فقد حان القيام
قال ابن خلكان: وهذا كما قال بعض علوية الكوفة حين خرج محمد وإبراهيم ابنا عبد الله بن الحسين على المنصور أخى السفاح:
أرى نارا تشب على بقاع … لها في كل ناحية شعاع
وقد رقدت بنو العباس عنها … وباتت وهي آمنة رتاع
كما رقدت أمية ثم هبت … تدافع حين لا يغنى الدفاع